حَدَّثَ فارِسُ بنَ قَيسٍ قالَ: لَمّا نَزَلتُ القاهِرَة وَأَناخَت بيَ الرّاحِلة، أَتَيتُ صاحِبَ مَتجَرِ في حَيِّ الأَزهَرِ، فَأَلقَيتُ السَّلام وَشَرَعتُ في الكَلام، قُلتُ: أُريدُ شَريحَةَ اتِّصال، قالَ: فَما صِفَتُها؟ ، قُلتُ: قَوِيَّةٌ شَبَكَتُها رَخيصَةٌ دَقيقَتُها واسِعَةٌ تَغطِيَتُها، صافِيَةُ المَسمَع حَسَنَةُ المَنبَع سَهلَةُ المَطلَع، قالَ: أَخصَبتَ الخَيال وَطَلَبتَ المُحال، إِن شِئتَ أَتَيتُكَ بِما يَكفيك فَلن تَجِدَ ما يُرضيك، قُلتُ: أَنتَ وَذاك، فَذَهَبَ يَمشي عَلى هَون وَأَتى بِشَريحَةٍ حَمراءِ اللَون، وَقالَ: هاتِ المَحمول، قُلتُ: لَيسَ مَعي مَحمول، قالَ: وَيحَك، شابَت العُقول وَكَيفَ تَعمَلُ شَّريحَةٌ بِغَيرِ مَحمول!!، فَقُلتُ: أُريدُ مَحمول، قالَ: فَما صِفَتُه؟، قُلتُ: حَسَنُ المَظهَر مُوَّثَقُ المَصدَر، لا صَغيرَ فَيُحقَر وَلا كَبيرَ فَيُنكَر، فقالَ: أَعياني طَلَبُك هي أَمامُكَ فَاختَر ما تَشاء، فَنَظَرتُ فيها فَأَعياني الاختِيار وحارَتِ الأَفكار، فَقُلتُ: اختَر ما تَشاء وَأَحسِن الانتِقاء، فَأَخرَجَ لي مَحمولاً جَميلَ الوَصف حَسَنَ العَزف يَقتَفي الأَثَر وَيَلتَقِطُ الصُّوَر، فَقُلتُ: أَحسَنتَ الاختِيار ، كَم ثَمَنُه؟ قالَ: أَلفان، فَأَصابَني الذُّهول وَلََعَنتُ المَحمول، ثُم أَطرَقتُ مَلِيّا فَبَدَوتُ غَبِيّا، وَقُلتُ: النُّقودُ قَليلَة-فَقَد أَعيَتني الحيلَة- فَأَمهِلني حَتّى الغَد آتيكَ بالنَّقد، فَقالَ: هَوِّن عَلَيك فَإِنّي رَأَيتُكَ حَسَنَ الهِندام مُمَنطَقَ الكَلام أَشبَهَ بِالكِرام بَعيداً عَنِ الحَرام، أَما وَقَد وَعَدتَ فَلا ضَيرَ إِن كانَ مَعي أَو مَعَك فَإِنّي أَحسَبُكَ تَفي بِالعَهد وَتُنجِزُ الوَعد فَإِن شِئتَ خُذهُ بِكَلِمَتِكَ وَلا تَحرِمنا إِطلالَتَكَ، فَقُلتُ في نَفسي: وَاللَهِ ما لي مِن مَهرَب فَإِمّا كاذِباً وَمَعي النُّقود وَإِمّا خائِناً لِلعُهود، ثُمَّ قُلتُ: أَصلَحَكَ اللَه، هاكَ ما مَعي مِن نُقود وَغَداً تُستَوفى العُهود ثُم انصَرَفتُ أَقول:
لا تَنطِقَنَّ بِلا تَفَكُرَ يا فَتى وَإِذا وَعَدتَ فَلا تُضَيِّع مَوعداً |