الحلقة الخامسة: خمسة أيام في كربلاء... أي سرُّ يحمله الحسين...
فجر الخميس السادس عشر من شهر صفر 1430 ، لم أنتظر وصول الاب، والاخ، والاخت، والابن، والاهل.. القادمين من بيروت... الى النجف..
لقد انتظرتهم مساء امس عدة ساعات في مطار النجف الاشرف حيث كان من المفترض ان يصلوا قبلي بساعات، وبعد انتظارهم تحولت طائرتهم الى بغداد.. بقوا في المطار هناك منذ منتصف الليلة الماضية..
لن أنتظر وصولهم فأنا متوجه الى اللقاء..
كان اللقاء الاول.. فهل كان لقاء أولاً؟
كانت الزيارة الاولى.. وهل كانت زيارة أولى؟
كانت القبلة الاولى.. وهل هي القبلة الاولى؟
وأين ؟ .. عند الرخامة الحمراء.. فهل تعرف الرخامة الحمراء؟..
لست أدري كيف كنت أسير.. لست أدري كيف مشيت تلك المسافة من سفير كربلا الى باب السدرة.
لا اعرف كيف وصلت.. لا أعرف كيف مشيت.. لا اعرف كيف سلمت..
ما أعرفه هو أني كنت اسمع صوتا واحدا.. لحنا واحدا..صدى واحدا.. كلمة واحدة.. إنها كلمة .. حســـــــــــــــــــــــــــين.. حســـــــــــــــــــــين.
وما أعرفه هو أنني أديت صلاة الصبح قبل أن اقترب من الضريح..
وما أعرفه هو أنني وصلت الى حيث يقول الجواهري:
وعفرت خدي بحيث استراح *** خد تفرى ولم يضرع
وحيث سنابك خيل الطغاة *** جالت عليه لم يخشع
تمسكت بالضريح:
شممت ثراك فهب النسيم *** نسيم الكرامة من بلقع
أي عالم عشت فيه في تلك اللحظات! الى أين ذهب بي الخيال؟
وطفت بقبرك طوف الخيال *** بصومعة الملهم المبدع
وخلت وقد طارت الذكريات *** بروحي إلى عالم أرفع
كأن يداً من وراء الضريح *** حمراء مبتورة الإصبع
السلام عليكم يا أبا عبد الله الحسين..
لقد سلمت على الحسين.. وصافحت الحسين.. وقبلت الحسين.. وشاهدت الحسين.. ولم أر أحدا سوى الحسين..
كل هذه الملايين يحركها اسم الحسين .. يفجر طاقاتها ذكر الحسين.. يشحنها قوة وارادة طيف الحسين..
لقد كتبت في كربلاء ويوم الاربعين خاطرة بعنوان:
أي سر يحمله اسم الحسين؟؟
وسأنقله في هذه الحلقة..
عندما انتفض ابراهيم الخليل على عبدة الأصنام وكسر اصنامهم وقال لهم:{أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (67) سورة الأنبياء.
وبعد أن أسقط في ايديهم بعد أن القمهم حجرا في حواره معهم عندما قال لهم:
{ فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ} (63) سورة الأنبياء
وأجابوه:
{ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ} (65) سورة الأنبياء
كان قرارهم المستند الى سلطة الجبروت والقوة بعيدا عن منطق العقل والتفكير ، كان قرارهم في قولهم: { حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} (68) سورة الأنبياء.
لقد اختاروا أقصى أنواع التعذيب لينزلوه بابراهيم ، إنه الاحراق بالنار.
وهل بعد الاحراق بالنار من عذاب!
لو كان هناك عذاب يفوق ألم الحريق لاختاره الله عقابا للطغاة.. ولكنها الحقيقة..{ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ } (56) سورة النساء.
وهكذا قرر طغاة الارض الذين جعلوا أنفسهم أربابا من دون الله إحراق ابراهيم بالنار نصرة لآلهتهم المزعومة.
نعم كان قرارهم القضاء على كل متمرد على سلطاانهم، وليكن عنوان تلك العقوبة القصوى .. انصُرُوا آلِهَتَكُمْ..
إنها الوهية النفس عند الانسان.{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} (43) سورة الفرقان.
وجمعوا الحطب من كل حدب وصوب، وأشعلوا نارا عظيمة ، وصنعوا المنجنيق ليرموا ابراهيم في وسط النار، ودعوا الحشود الكبيرة لتكون شاهدة على العقوبة الكبرى كي لا يحدثن أحد نفسه يوما بالتمرد على الانظمة الحاكمة.
{وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا } (70) سورة الأنبياء
لقد تجمعت بين أيديهم جميع أسباب القوة المادية، فإبراهيم فرد لا يملك سلطانا يواجه به سلطان اولئك، حتى عمه آزر المستفيد من صناعة الاصنام وبيعها ، والمستفيد من قربه ومكانته عند جبابرة الارض كان قد رأى في سلوك ابراهيم إنهاءً لنفوذه.
وأمام تلك المقارنة لم يبق له بابن أخيه ابراهيم من حاجة. فليُحرق ابراهيم، ولتسلم مصالح آزر..
وآن موعد تنفيذ العقوبة أمام الحشود التي كانت تصلها حرارة الحريق الملتهب، الذي لم يسلم منه حتى الطير في السماء..
واجتمع النمرود يحيط به حشمه وخدمه وجلاوزته في ذاك الاحتفال المهيب الذي أرادوه أن يكون درسا للأجيال..
وأعطيت إشارة التنفيذ بإلقاء ابراهيم بواسطة ذاك المدفع العملاق" المنجنيق" كي يستقر في وسط النار الملتهبة وليتحول الى رماد وذكرى..
{ فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} (70) سورة الأنبياء
وكانت المفاجأة المذهلة التي لا يصدقها أحد إن أراد التمسك بنواميس الطبيعة..
إنها الحقيقة التي لم يكن أحد يتصور حدوثها.
لم يحترق ابراهيم ، لقد احترق كل ذاك الحطب وابراهيم جالس في وسط النار..
ما الذي جرى؟
لقد صدر أمر الهي بتغيير ناموس من نواميس الطبيعة ، إنه الامر الالهي:
{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} (69) سورة الأنبياء
أيتها النار المستعرة ، لن أغير في تركيبتك شيئا، لن أعدمك خاصية الاحراق.. فلتحرقي أيتها النار المستعرة ذاك الحطب الكثير ، ولتستمري في عملك التكويني المرسوم لك، ولكن هناك استثناء وحيد وتغيير في طبيعتك أريد أن يستفيد منه الان عبدي ابراهيم الذي أريد أن أجعله للناس اماما..
لا تحرقيه أيتها النار بل تحولي الى برد يحيط بابراهيم ، وحذار من أن تتساقط عليه أكوام الحطب الملتهب أو رمادها ، أو أن يحترق الاوكسجين الذي يحتاجه للتنفس هواء، عليك أيتها النار ان تكوني سلاما على ابراهيم.
وهكذا تغير ناموس الطبيعة الموضوع في النار فغدت لابراهيم في تلك الساعة بردا وسلاما..
وصار إبراهيم إماما..{ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا }
ويسأل ابراهيم ربه..{ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (124) سورة البقرة.
لقد حصل تغير بل تغيير في أحد نواميس الطبيعة فأبقى ابراهيم حيا.
وادخره الله لمهمات، {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ } (127) سورة البقرة.
هكذا كانت حكاية ابراهيم.. فماذا بالنسبة للحسين؟
قبل 1369 سنة من عمر الزمن..
اي ما يقارب من 500000 خمسماية الف يوم من ايام الدنيا..
كان هناك ركب عائد من الشام مكون من النساء والاطفال الذين لم يكن قد بقي معهم من الرجال سوى شاب كان عليلا.
عاد هذا الركب بعد أربعين يوما على أخذهم اسارى مقيدين بعد أن تركوا على رمضاء كربلاء اجساداً مقطعة الرؤوس ، مسلوبة الثياب.
وسار هذا الركب من كربلاء الى الكوفة ثم الى الشام وأمامهم رؤوس رجالهم مرفوعة على الرماح..
وبعد تلك الرحلة الطويلة كان موعد عودة ذاك الركب في العشرين من صفر من عام 61 للهجرة.
وصل الى ذاك المكان في ذاك اليوم صحابي جليل كان قد فقد بصره.. إنه جابر بن عبد الله الانصاري.. جاء ليبكي تلك الضحايا التي سالت دماؤها على أرض كربلاء..
جاء ليغتسل على شاطئ الفرات ويتجه الى مكان مصرع تلك الكوكبة ليقول ودموعه تسيل على خديه :
السلام على الحسين، السلام على علي بن الحسين
السلام على أولاد الحسين، السلام على أصحاب الحسين
ويلتقي الركب العائد مع الركب الزائر..
كان من المفترض لتلك الحادثة الحاصلة في عمق الزمن أن يلفها النسيان، وعلى الاقل أن تكون خبرا يطوي أثره النسيان حسب نواميس الطبيعة العادية.
ولكن هل كان الامر كذلك؟
ها أنذا اليوم في كربلاء .. أكتب هذه السطور في يوم العشرين من عام 1430 فكيف تعيش كربلاء هذا اليوم..
وللحديث تتمة.
فجر الخميس السادس عشر من شهر صفر 1430 ، لم أنتظر وصول الاب، والاخ، والاخت، والابن، والاهل.. القادمين من بيروت... الى النجف..
لقد انتظرتهم مساء امس عدة ساعات في مطار النجف الاشرف حيث كان من المفترض ان يصلوا قبلي بساعات، وبعد انتظارهم تحولت طائرتهم الى بغداد.. بقوا في المطار هناك منذ منتصف الليلة الماضية..
لن أنتظر وصولهم فأنا متوجه الى اللقاء..
كان اللقاء الاول.. فهل كان لقاء أولاً؟
كانت الزيارة الاولى.. وهل كانت زيارة أولى؟
كانت القبلة الاولى.. وهل هي القبلة الاولى؟
وأين ؟ .. عند الرخامة الحمراء.. فهل تعرف الرخامة الحمراء؟..
لست أدري كيف كنت أسير.. لست أدري كيف مشيت تلك المسافة من سفير كربلا الى باب السدرة.
لا اعرف كيف وصلت.. لا أعرف كيف مشيت.. لا اعرف كيف سلمت..
ما أعرفه هو أني كنت اسمع صوتا واحدا.. لحنا واحدا..صدى واحدا.. كلمة واحدة.. إنها كلمة .. حســـــــــــــــــــــــــــين.. حســـــــــــــــــــــين.
وما أعرفه هو أنني أديت صلاة الصبح قبل أن اقترب من الضريح..
وما أعرفه هو أنني وصلت الى حيث يقول الجواهري:
وعفرت خدي بحيث استراح *** خد تفرى ولم يضرع
وحيث سنابك خيل الطغاة *** جالت عليه لم يخشع
تمسكت بالضريح:
شممت ثراك فهب النسيم *** نسيم الكرامة من بلقع
أي عالم عشت فيه في تلك اللحظات! الى أين ذهب بي الخيال؟
وطفت بقبرك طوف الخيال *** بصومعة الملهم المبدع
وخلت وقد طارت الذكريات *** بروحي إلى عالم أرفع
كأن يداً من وراء الضريح *** حمراء مبتورة الإصبع
السلام عليكم يا أبا عبد الله الحسين..
لقد سلمت على الحسين.. وصافحت الحسين.. وقبلت الحسين.. وشاهدت الحسين.. ولم أر أحدا سوى الحسين..
كل هذه الملايين يحركها اسم الحسين .. يفجر طاقاتها ذكر الحسين.. يشحنها قوة وارادة طيف الحسين..
لقد كتبت في كربلاء ويوم الاربعين خاطرة بعنوان:
أي سر يحمله اسم الحسين؟؟
وسأنقله في هذه الحلقة..
عندما انتفض ابراهيم الخليل على عبدة الأصنام وكسر اصنامهم وقال لهم:{أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (67) سورة الأنبياء.
وبعد أن أسقط في ايديهم بعد أن القمهم حجرا في حواره معهم عندما قال لهم:
{ فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ} (63) سورة الأنبياء
وأجابوه:
{ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ} (65) سورة الأنبياء
كان قرارهم المستند الى سلطة الجبروت والقوة بعيدا عن منطق العقل والتفكير ، كان قرارهم في قولهم: { حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} (68) سورة الأنبياء.
لقد اختاروا أقصى أنواع التعذيب لينزلوه بابراهيم ، إنه الاحراق بالنار.
وهل بعد الاحراق بالنار من عذاب!
لو كان هناك عذاب يفوق ألم الحريق لاختاره الله عقابا للطغاة.. ولكنها الحقيقة..{ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ } (56) سورة النساء.
وهكذا قرر طغاة الارض الذين جعلوا أنفسهم أربابا من دون الله إحراق ابراهيم بالنار نصرة لآلهتهم المزعومة.
نعم كان قرارهم القضاء على كل متمرد على سلطاانهم، وليكن عنوان تلك العقوبة القصوى .. انصُرُوا آلِهَتَكُمْ..
إنها الوهية النفس عند الانسان.{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} (43) سورة الفرقان.
وجمعوا الحطب من كل حدب وصوب، وأشعلوا نارا عظيمة ، وصنعوا المنجنيق ليرموا ابراهيم في وسط النار، ودعوا الحشود الكبيرة لتكون شاهدة على العقوبة الكبرى كي لا يحدثن أحد نفسه يوما بالتمرد على الانظمة الحاكمة.
{وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا } (70) سورة الأنبياء
لقد تجمعت بين أيديهم جميع أسباب القوة المادية، فإبراهيم فرد لا يملك سلطانا يواجه به سلطان اولئك، حتى عمه آزر المستفيد من صناعة الاصنام وبيعها ، والمستفيد من قربه ومكانته عند جبابرة الارض كان قد رأى في سلوك ابراهيم إنهاءً لنفوذه.
وأمام تلك المقارنة لم يبق له بابن أخيه ابراهيم من حاجة. فليُحرق ابراهيم، ولتسلم مصالح آزر..
وآن موعد تنفيذ العقوبة أمام الحشود التي كانت تصلها حرارة الحريق الملتهب، الذي لم يسلم منه حتى الطير في السماء..
واجتمع النمرود يحيط به حشمه وخدمه وجلاوزته في ذاك الاحتفال المهيب الذي أرادوه أن يكون درسا للأجيال..
وأعطيت إشارة التنفيذ بإلقاء ابراهيم بواسطة ذاك المدفع العملاق" المنجنيق" كي يستقر في وسط النار الملتهبة وليتحول الى رماد وذكرى..
{ فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} (70) سورة الأنبياء
وكانت المفاجأة المذهلة التي لا يصدقها أحد إن أراد التمسك بنواميس الطبيعة..
إنها الحقيقة التي لم يكن أحد يتصور حدوثها.
لم يحترق ابراهيم ، لقد احترق كل ذاك الحطب وابراهيم جالس في وسط النار..
ما الذي جرى؟
لقد صدر أمر الهي بتغيير ناموس من نواميس الطبيعة ، إنه الامر الالهي:
{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} (69) سورة الأنبياء
أيتها النار المستعرة ، لن أغير في تركيبتك شيئا، لن أعدمك خاصية الاحراق.. فلتحرقي أيتها النار المستعرة ذاك الحطب الكثير ، ولتستمري في عملك التكويني المرسوم لك، ولكن هناك استثناء وحيد وتغيير في طبيعتك أريد أن يستفيد منه الان عبدي ابراهيم الذي أريد أن أجعله للناس اماما..
لا تحرقيه أيتها النار بل تحولي الى برد يحيط بابراهيم ، وحذار من أن تتساقط عليه أكوام الحطب الملتهب أو رمادها ، أو أن يحترق الاوكسجين الذي يحتاجه للتنفس هواء، عليك أيتها النار ان تكوني سلاما على ابراهيم.
وهكذا تغير ناموس الطبيعة الموضوع في النار فغدت لابراهيم في تلك الساعة بردا وسلاما..
وصار إبراهيم إماما..{ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا }
ويسأل ابراهيم ربه..{ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (124) سورة البقرة.
لقد حصل تغير بل تغيير في أحد نواميس الطبيعة فأبقى ابراهيم حيا.
وادخره الله لمهمات، {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ } (127) سورة البقرة.
هكذا كانت حكاية ابراهيم.. فماذا بالنسبة للحسين؟
قبل 1369 سنة من عمر الزمن..
اي ما يقارب من 500000 خمسماية الف يوم من ايام الدنيا..
كان هناك ركب عائد من الشام مكون من النساء والاطفال الذين لم يكن قد بقي معهم من الرجال سوى شاب كان عليلا.
عاد هذا الركب بعد أربعين يوما على أخذهم اسارى مقيدين بعد أن تركوا على رمضاء كربلاء اجساداً مقطعة الرؤوس ، مسلوبة الثياب.
وسار هذا الركب من كربلاء الى الكوفة ثم الى الشام وأمامهم رؤوس رجالهم مرفوعة على الرماح..
وبعد تلك الرحلة الطويلة كان موعد عودة ذاك الركب في العشرين من صفر من عام 61 للهجرة.
وصل الى ذاك المكان في ذاك اليوم صحابي جليل كان قد فقد بصره.. إنه جابر بن عبد الله الانصاري.. جاء ليبكي تلك الضحايا التي سالت دماؤها على أرض كربلاء..
جاء ليغتسل على شاطئ الفرات ويتجه الى مكان مصرع تلك الكوكبة ليقول ودموعه تسيل على خديه :
السلام على الحسين، السلام على علي بن الحسين
السلام على أولاد الحسين، السلام على أصحاب الحسين
ويلتقي الركب العائد مع الركب الزائر..
كان من المفترض لتلك الحادثة الحاصلة في عمق الزمن أن يلفها النسيان، وعلى الاقل أن تكون خبرا يطوي أثره النسيان حسب نواميس الطبيعة العادية.
ولكن هل كان الامر كذلك؟
ها أنذا اليوم في كربلاء .. أكتب هذه السطور في يوم العشرين من عام 1430 فكيف تعيش كربلاء هذا اليوم..
وللحديث تتمة.