الحلقة الثانية- قرار السفر
قبل ايام من ذاك الموعد كنت في زيارة لسماحة المرجع الكبير السيد محمد صادق الحسيني الروحاني الذي عاد الى التدريس مجدداً بعد الوعكة الصحية التي أصابته منذ أشهر ثلاث، وبعد أن ابلغته سلام الوالد وأنه سيسافر لزيارة الحسين عليه السلام، أبديت أمامه رغبة بالاستخارة لكي تحسم موقفي من رغبتي..فالتفت إلي معاتباً قائلا:
وهل تأتيك دعوة لزيارة الحسين وتتردد!!
ليست تلبية مثل هذه الدعوة موردا للاستخارة.. واضاف مبتسماً، لكن بشرط...
أجبته..عرفت ما تريده مني.. وانا ملزم به دون شرط..
وانقدحت في ذهني خاطرة.. ألستُ قد حرمت في هذا العام من أداء الحج الذي أدمنت عليه منذ سنوات؟..
ألم يراودني شعور بأن الله سيعوضني عما فاتني؟
ها هي تلك اللحظة قد حانت..
ألم يقل الامام الصادق عليه السلام:لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ الْحَجَّ وَ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَلِكَ فَأَتَى الْحُسَيْنَ فَعَرَّفَ عِنْدَهُ يُجْزِيهِ ذَلِكَ مِنَ الْحَجِّ ؟
ألم يقل عليه السلام: مَنْ أَتَى قَبْرَ الْحُسَيْنِ عَارِفاً بِحَقِّهِ كَانَ كَمَنْ حَجَّ مِائَةَ حَجَّةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ؟
ألم تقل عائشة يوما عندما كَانَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ذَاتَ يَوْمٍ فِي حَجْرِ النَّبِيِّ يُلَاعِبُهُ وَ يُضَاحِكُهُ..
يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَشَدَّ إِعْجَابَكَ بِهَذَا الصَّبِيِّ!
فَقَالَ لَهَا وَيْلَكِ وَ كَيْفَ لَا أُحِبُّهُ وَ لَا أُعْجَبُ بِهِ وَ هُوَ ثَمَرَةُ فُؤَادِي وَ قُرَّةُ عَيْنِي، أَمَا إِنَّ أُمَّتِي سَتَقْتُلُهُ فَمَنْ زَارَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَجَّةً مِنْ حِجَجِي.
قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَجَّةً مِنْ حِجَجِكَ!!
قَالَ نَعَمْ وَ حَجَّتَيْنِ مِنْ حِجَجِي.
قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَجَّتَيْنِ مِنْ حِجَجِكَ!!
قَالَ نَعَمْ وَ أَرْبَعَةً قَالَ- الصادق- فَلَمْ تَزَلْ تَزَادُهُ وَ يَزِيدُ وَ يُضْعِفُ حَتَّى بَلَغَ تِسْعِينَ حَجَّةً مِنْ حِجَجِ رَسُولِ اللَّهِ بِأَعْمَارِهَا.
تذكرت كل هذا ، وتذكرت كلاما آخر بليغا للامام الصادق عندما سأل أحد أصحابه قائلا: يَا شِهَابُ كَمْ حَجَجْتَ مِنْ حَجَّةٍ؟
قَالَ قُلْتُ تِسْعَ عَشْرَةَ.
قَالَ فَقَالَ لِي تَمِّمْهَا عِشْرِينَ حَجَّةً تُكْتَبْ لَكَ بِزِيَارَةِ الْحُسَيْنِ .
لن يثنيني عن الزيارة شيئ.. سأسعى جهدي لكي أصل الى الحسين.. وأكون في كربلاء يوم الاربعين..
الم أنقل حديثاً فيما كتبته عن رحلتي في عالم الصلاة عن الامام الحسن العسكري يقول فيه:
عَلَامَاتُ الْمُؤْمِنِ خَمْسٌ:
صَلَاةُ الْإِحْدَى وَ الْخَمْسِينَ، وَ زِيَارَةُ الْأَرْبَعِينَ، وَ التَّخَتُّمُ بِالْيَمِينِ، وَ تَعْفِيرُ الْجَبِينِ، وَ الْجَهْرُ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ؟
لقد جاءتني فرصة لن أضيعها، وليُيَسر لي الله ذلك.
من طهران الى النجف الأشرف:
سأذهب لزيارة الأربعين.. سأذهب الى الحسين.. سأذهب عبر مطار النجف الاشرف..
هذه هي رغبتي وهذا ما سأسعى اليه فكيف سارت الامور؟ إن لله في خلقه شؤون..
بذلت جهدي كي أحصل على تذكرة من طهران الى النجف في نفس اليوم الذي سيصل به والدي ومن معه من بيروت.. ولكن دون نتيجة..
لم يعد مهماً لدي تحديد الوقت بل الرغبة في الذهاب الى الحسين من باب أمير المؤمنين.. لا يهمني إن ذهبت قبلهم أو بعدهم.. ما يهمني هو أن تطأ قدماي أرض الغري أولا..
ألم يخاطب بن ابي الحديد برق السماء قائلا:
يا برق إن جئت الغري فقل له *** أتراك تعلم من بأرضك مودع
فيك ابن عمران الكليم وبعده *** احمد يقفيه وعيسى يتبع
الى أن يقول:
بل فيك نور الله جل جلاله *** لذوي البصائر يستشف ويلمع
لقد كتب والدي عن النجف الاشرف معلقا:
فيها من الاسرار ما لا يدرك ابعادها سوى الابرار...
النجف الأشرف مهوى الافئدة على مر الدهور والازمان..
بل هي صمام الامان لدائرة الاكوان.. لهداية الانسان ...
النجف وما أدراك ما النجف.. حيث نشأت وترعرعت.. حيث كبرت واينعت..
حكاياتي مع النجف مع حكايات العمر.. حكايات وذكريات مع الكبار الكبار..
وليتوقف قلمي عن الاسترسال.. فللنجف أحاديث وأحاديث ..
ما يهمني الحديث عنه الان.. هو أنني حاولت جاهدا تأمين حجز الى النجف الاشرف بشتى الطرق والوسائل والوسائط .. ولكن دون نتيجة..
إذن فلتكن رحلتي عبر مطار بغداد.. فلن يثنيني عن زيارة الحسين شيئ..
وبالطبع لم يكن الامر سهلا وميسراً.. ولكن في نهاية المطاف حصلت على حجز في نفس اليوم الذي اريد عبر مطار بغداد..
وحان موعد السفر.. فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم ..
غادرت المنزل في قم باتجاه المطار في طهران في الوقت المحدد..
وغادر الشاب الذي سيوصل لي التذكرة أيضا من طهران الى المطار..
وقبل ان تنطلق بي السيارة أتلقى اتصالا يفيد بأن موعد طائرة بغداد قد تأخر.. والتأخير هنا لا أحد يعرف مقداره.. فوالدي ومن معه كان لا يزال منذ الصباح الباكر ينتظر في مطار بيروت الى ما بعد الظهر دون أن يعلم الموعد الفعلي لاقلاع طائرتهم..
لن ارجع الى المنزل .. فانا متجه الى الحسين.. ووصلت الى المطار..
ما أن دخلت الى الصالة حتى قرأت في لوحة المغادرة إعلانا عن أن طائرة النجف الاشرف متأخرة.. موعدها في العاشرة صباحا والساعة تقترب من الثالثة ولا يزال الركاب بالانتظار.. فلم تصل الطائرة بعد..
وطائرة بغداد ايضا متأخرة دون تحديد الموعد الجديد..
التقيت بعدد من الاصدقاء المنتظرين منذ الصباح ، ووجهتهم مدينة أمير المؤمنين.. وما هي إلا دقائق قليلة حتى سرى خبر قرب هبوط الطائرة التي ستقل هؤلاء المنتظرين الى النجف الاشرف..
دخلت دون أن انتظر وصول التذكرة، تحدثت مع المدير المسؤول عن الخطوط العراقية، بهدف تحويل تذكرتي من بغداد الى النجف.. استمهلني لحين هبوط الطائرة ومراجعة قائدها.
هبطت الطائرة وصعد الركاب المنتظرون منذ الصباح، وكان بالامكان إلحاق أربعة ركاب فقط بركاب الطائرة ، ولكن تذكرتي لم تكن قد وصلت بعد، وصعد الاربعة وبدأوا بإغلاق (الكونتوار) فقد انتهى عملهم.. وودعني الاصدقاء.. وبقيت واقفا وفي داخلي شعور بالاطمئنان لا اعرف مصدره، ولا حقيقته..
غادر موظفوا مكتب الخطوط العراقية ولم يبق سوى موظف واحد يجمع ما لديه، وفي تلك اللحظة وصل الشاب الذي احضر لي التذكرة من طهران..
ينظر اليَّ ذاك الموظف ويعمل بعض الوقت على جهاز الكومبيوتر ثم يبادرني بالسؤال : هل معك حقائب؟ أجبته فقط حقيبة اليد .
يقول : اعطني التذكرة، وبسرعة يتناول بطاقة الصعود الى الطائرة ويكتب عليها شيئا ، ويكتب على التذكرة شيئا ثم يقول لي مودعا.. إذهب بسرعة الى الطائرة ولا تنسنا من الدعاء..
دمعت عيني وانا ادخل الى صالة المغادرة بعد ان صعد الركاب الى الطائرة..
تأملت في البطاقة لاعرف رقم المقعد فلم أجد رقما سوى كتابة لم تكن مفهومة بالنسبة لي.
ربما كانت رمزا أو إشارة.. اتضح معناها عندما قدمت البطاقة الى المضيفة ، وبعد أن تأملتها : قالت تفضل هذا مقعدك رقم 1 في الدرجة الاولى..
اتأمل في التذكرة لاجد أن ذاك الموظف قد كتب عليها باللغة الانكليزية أنه يجب إعادة مبلغ خمسين دولارا من قيمة التذكرة..
وهنا أعود الى بعض ما كتبته في تلك الرحلة..
سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ
الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما يسَّر.
إنها الخامسة عصرا بتوقيت طهران وأنا على المقعد رقم واحد في رحلة متجهة بنا من طهران الى النجف الاشرف..
ما حصل اليوم الاربعاء 11 شباط 2009 (15 صفر 1430) هو أمر يدعو للتأمل..
صباح اليوم توجهت نحو حرم السيدة فاطمة المعصومة ( بنت الامام الكاظم ع) وكانت الدنيا تمطر مطرا خفيفا..
بعد الزيارة والصلاة توجهت لتوديع استاذي سماحة المرجع السيد محمد صادق الروحاني، قرأ في أذني الدعاء المأثور والاية الكريمة، ودعته وخرجت..
اللهم لك الحمد على نعمائك ..
الطائرة تحلق فوق طبقات الغيم، ولم أستطع أن أحبس دموعي التي راحت تنذرف من عيني ..تبلل تلك الدموع لحيتي .. سبحانك يا رب..
الساعة الان هي السادسة مساء .. لقد مضى على طيراننا مدة ساعة من الوقت ولم يبق سوى أقل من نصف ساعة كي تهبط بنا الطائرة في مطار النجف الاشرف..
اكتب ... ونحن نستعد للهبوط ... و بجانبي سماحة الشيخ محمد مهدي نجف..
اللهم لك الحمد على ما أنعمت..
وللحديث تتمة..
قبل ايام من ذاك الموعد كنت في زيارة لسماحة المرجع الكبير السيد محمد صادق الحسيني الروحاني الذي عاد الى التدريس مجدداً بعد الوعكة الصحية التي أصابته منذ أشهر ثلاث، وبعد أن ابلغته سلام الوالد وأنه سيسافر لزيارة الحسين عليه السلام، أبديت أمامه رغبة بالاستخارة لكي تحسم موقفي من رغبتي..فالتفت إلي معاتباً قائلا:
وهل تأتيك دعوة لزيارة الحسين وتتردد!!
ليست تلبية مثل هذه الدعوة موردا للاستخارة.. واضاف مبتسماً، لكن بشرط...
أجبته..عرفت ما تريده مني.. وانا ملزم به دون شرط..
وانقدحت في ذهني خاطرة.. ألستُ قد حرمت في هذا العام من أداء الحج الذي أدمنت عليه منذ سنوات؟..
ألم يراودني شعور بأن الله سيعوضني عما فاتني؟
ها هي تلك اللحظة قد حانت..
ألم يقل الامام الصادق عليه السلام:لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ الْحَجَّ وَ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَلِكَ فَأَتَى الْحُسَيْنَ فَعَرَّفَ عِنْدَهُ يُجْزِيهِ ذَلِكَ مِنَ الْحَجِّ ؟
ألم يقل عليه السلام: مَنْ أَتَى قَبْرَ الْحُسَيْنِ عَارِفاً بِحَقِّهِ كَانَ كَمَنْ حَجَّ مِائَةَ حَجَّةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ؟
ألم تقل عائشة يوما عندما كَانَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ذَاتَ يَوْمٍ فِي حَجْرِ النَّبِيِّ يُلَاعِبُهُ وَ يُضَاحِكُهُ..
يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَشَدَّ إِعْجَابَكَ بِهَذَا الصَّبِيِّ!
فَقَالَ لَهَا وَيْلَكِ وَ كَيْفَ لَا أُحِبُّهُ وَ لَا أُعْجَبُ بِهِ وَ هُوَ ثَمَرَةُ فُؤَادِي وَ قُرَّةُ عَيْنِي، أَمَا إِنَّ أُمَّتِي سَتَقْتُلُهُ فَمَنْ زَارَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَجَّةً مِنْ حِجَجِي.
قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَجَّةً مِنْ حِجَجِكَ!!
قَالَ نَعَمْ وَ حَجَّتَيْنِ مِنْ حِجَجِي.
قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَجَّتَيْنِ مِنْ حِجَجِكَ!!
قَالَ نَعَمْ وَ أَرْبَعَةً قَالَ- الصادق- فَلَمْ تَزَلْ تَزَادُهُ وَ يَزِيدُ وَ يُضْعِفُ حَتَّى بَلَغَ تِسْعِينَ حَجَّةً مِنْ حِجَجِ رَسُولِ اللَّهِ بِأَعْمَارِهَا.
تذكرت كل هذا ، وتذكرت كلاما آخر بليغا للامام الصادق عندما سأل أحد أصحابه قائلا: يَا شِهَابُ كَمْ حَجَجْتَ مِنْ حَجَّةٍ؟
قَالَ قُلْتُ تِسْعَ عَشْرَةَ.
قَالَ فَقَالَ لِي تَمِّمْهَا عِشْرِينَ حَجَّةً تُكْتَبْ لَكَ بِزِيَارَةِ الْحُسَيْنِ .
لن يثنيني عن الزيارة شيئ.. سأسعى جهدي لكي أصل الى الحسين.. وأكون في كربلاء يوم الاربعين..
الم أنقل حديثاً فيما كتبته عن رحلتي في عالم الصلاة عن الامام الحسن العسكري يقول فيه:
عَلَامَاتُ الْمُؤْمِنِ خَمْسٌ:
صَلَاةُ الْإِحْدَى وَ الْخَمْسِينَ، وَ زِيَارَةُ الْأَرْبَعِينَ، وَ التَّخَتُّمُ بِالْيَمِينِ، وَ تَعْفِيرُ الْجَبِينِ، وَ الْجَهْرُ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ؟
لقد جاءتني فرصة لن أضيعها، وليُيَسر لي الله ذلك.
من طهران الى النجف الأشرف:
سأذهب لزيارة الأربعين.. سأذهب الى الحسين.. سأذهب عبر مطار النجف الاشرف..
هذه هي رغبتي وهذا ما سأسعى اليه فكيف سارت الامور؟ إن لله في خلقه شؤون..
بذلت جهدي كي أحصل على تذكرة من طهران الى النجف في نفس اليوم الذي سيصل به والدي ومن معه من بيروت.. ولكن دون نتيجة..
لم يعد مهماً لدي تحديد الوقت بل الرغبة في الذهاب الى الحسين من باب أمير المؤمنين.. لا يهمني إن ذهبت قبلهم أو بعدهم.. ما يهمني هو أن تطأ قدماي أرض الغري أولا..
ألم يخاطب بن ابي الحديد برق السماء قائلا:
يا برق إن جئت الغري فقل له *** أتراك تعلم من بأرضك مودع
فيك ابن عمران الكليم وبعده *** احمد يقفيه وعيسى يتبع
الى أن يقول:
بل فيك نور الله جل جلاله *** لذوي البصائر يستشف ويلمع
لقد كتب والدي عن النجف الاشرف معلقا:
فيها من الاسرار ما لا يدرك ابعادها سوى الابرار...
النجف الأشرف مهوى الافئدة على مر الدهور والازمان..
بل هي صمام الامان لدائرة الاكوان.. لهداية الانسان ...
النجف وما أدراك ما النجف.. حيث نشأت وترعرعت.. حيث كبرت واينعت..
حكاياتي مع النجف مع حكايات العمر.. حكايات وذكريات مع الكبار الكبار..
وليتوقف قلمي عن الاسترسال.. فللنجف أحاديث وأحاديث ..
ما يهمني الحديث عنه الان.. هو أنني حاولت جاهدا تأمين حجز الى النجف الاشرف بشتى الطرق والوسائل والوسائط .. ولكن دون نتيجة..
إذن فلتكن رحلتي عبر مطار بغداد.. فلن يثنيني عن زيارة الحسين شيئ..
وبالطبع لم يكن الامر سهلا وميسراً.. ولكن في نهاية المطاف حصلت على حجز في نفس اليوم الذي اريد عبر مطار بغداد..
وحان موعد السفر.. فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم ..
غادرت المنزل في قم باتجاه المطار في طهران في الوقت المحدد..
وغادر الشاب الذي سيوصل لي التذكرة أيضا من طهران الى المطار..
وقبل ان تنطلق بي السيارة أتلقى اتصالا يفيد بأن موعد طائرة بغداد قد تأخر.. والتأخير هنا لا أحد يعرف مقداره.. فوالدي ومن معه كان لا يزال منذ الصباح الباكر ينتظر في مطار بيروت الى ما بعد الظهر دون أن يعلم الموعد الفعلي لاقلاع طائرتهم..
لن ارجع الى المنزل .. فانا متجه الى الحسين.. ووصلت الى المطار..
ما أن دخلت الى الصالة حتى قرأت في لوحة المغادرة إعلانا عن أن طائرة النجف الاشرف متأخرة.. موعدها في العاشرة صباحا والساعة تقترب من الثالثة ولا يزال الركاب بالانتظار.. فلم تصل الطائرة بعد..
وطائرة بغداد ايضا متأخرة دون تحديد الموعد الجديد..
التقيت بعدد من الاصدقاء المنتظرين منذ الصباح ، ووجهتهم مدينة أمير المؤمنين.. وما هي إلا دقائق قليلة حتى سرى خبر قرب هبوط الطائرة التي ستقل هؤلاء المنتظرين الى النجف الاشرف..
دخلت دون أن انتظر وصول التذكرة، تحدثت مع المدير المسؤول عن الخطوط العراقية، بهدف تحويل تذكرتي من بغداد الى النجف.. استمهلني لحين هبوط الطائرة ومراجعة قائدها.
هبطت الطائرة وصعد الركاب المنتظرون منذ الصباح، وكان بالامكان إلحاق أربعة ركاب فقط بركاب الطائرة ، ولكن تذكرتي لم تكن قد وصلت بعد، وصعد الاربعة وبدأوا بإغلاق (الكونتوار) فقد انتهى عملهم.. وودعني الاصدقاء.. وبقيت واقفا وفي داخلي شعور بالاطمئنان لا اعرف مصدره، ولا حقيقته..
غادر موظفوا مكتب الخطوط العراقية ولم يبق سوى موظف واحد يجمع ما لديه، وفي تلك اللحظة وصل الشاب الذي احضر لي التذكرة من طهران..
ينظر اليَّ ذاك الموظف ويعمل بعض الوقت على جهاز الكومبيوتر ثم يبادرني بالسؤال : هل معك حقائب؟ أجبته فقط حقيبة اليد .
يقول : اعطني التذكرة، وبسرعة يتناول بطاقة الصعود الى الطائرة ويكتب عليها شيئا ، ويكتب على التذكرة شيئا ثم يقول لي مودعا.. إذهب بسرعة الى الطائرة ولا تنسنا من الدعاء..
دمعت عيني وانا ادخل الى صالة المغادرة بعد ان صعد الركاب الى الطائرة..
تأملت في البطاقة لاعرف رقم المقعد فلم أجد رقما سوى كتابة لم تكن مفهومة بالنسبة لي.
ربما كانت رمزا أو إشارة.. اتضح معناها عندما قدمت البطاقة الى المضيفة ، وبعد أن تأملتها : قالت تفضل هذا مقعدك رقم 1 في الدرجة الاولى..
اتأمل في التذكرة لاجد أن ذاك الموظف قد كتب عليها باللغة الانكليزية أنه يجب إعادة مبلغ خمسين دولارا من قيمة التذكرة..
وهنا أعود الى بعض ما كتبته في تلك الرحلة..
سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ
الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما يسَّر.
إنها الخامسة عصرا بتوقيت طهران وأنا على المقعد رقم واحد في رحلة متجهة بنا من طهران الى النجف الاشرف..
ما حصل اليوم الاربعاء 11 شباط 2009 (15 صفر 1430) هو أمر يدعو للتأمل..
صباح اليوم توجهت نحو حرم السيدة فاطمة المعصومة ( بنت الامام الكاظم ع) وكانت الدنيا تمطر مطرا خفيفا..
بعد الزيارة والصلاة توجهت لتوديع استاذي سماحة المرجع السيد محمد صادق الروحاني، قرأ في أذني الدعاء المأثور والاية الكريمة، ودعته وخرجت..
اللهم لك الحمد على نعمائك ..
الطائرة تحلق فوق طبقات الغيم، ولم أستطع أن أحبس دموعي التي راحت تنذرف من عيني ..تبلل تلك الدموع لحيتي .. سبحانك يا رب..
الساعة الان هي السادسة مساء .. لقد مضى على طيراننا مدة ساعة من الوقت ولم يبق سوى أقل من نصف ساعة كي تهبط بنا الطائرة في مطار النجف الاشرف..
اكتب ... ونحن نستعد للهبوط ... و بجانبي سماحة الشيخ محمد مهدي نجف..
اللهم لك الحمد على ما أنعمت..
وللحديث تتمة..