ها نحن داخل مسجد الكوفة نتجه الى المحطة الاولى، إنها مقام ابراهيم الخليل،
ما الذي اشاهده؟ يا الهي!!
لقد غابت الارض الرملية التي كانت تغطي أرض المسجد، واستعيض عنها برخام أبيض ناصع البياض لا يتأثر بأشعة الشمس المحرقة خاصة في صيف العراق الحار، بل يشعر الزائر ببرودة يحفظها هذا الرخام..
إنه من نفس النوع الذي يغطي أرض بيت الله الحرام في مكة المشرفة...
سقفٌ جديد من الجهات الاربع يغطي مساحة معينة بمحاذاة الجدار ليبقى وسط المسجد مكشوفاً.. وأتلفت يمينا وشمالا .. اين هي المقامات التي كانت منتشرة في ارض المسجد والتي كانت تميزها الاسطوانات البارزة؟
لقد استعيض عنها بلوحات رخامية ترتفع قليلا عن وجه الارض للدلالة على كل مقام من المقامات.. بعد أن عمَّت الزخرفة ذاك البناء الجديد من جهاته الاربع..
لا شك ان هذا البناء يضفي على المسجد مسحة من الحداثة والفن العمراني الذي يقوم به البهرة المختصون في مثل هذه الاعمال وعلى نفقتهم، ولكن هل تبقى تلك الروحية التي كان يشعر بها الزائر عندما كان المسجد لا يزال يحاكي التاريخ القديم؟
قد تتعدد الاراء وتختلف، ولكن ما استطيع أن أقوله أن ذاك المكان الذي كان يجسِّد مكان السفينة لم تعد له تلك الرمزية والروحية التي كانت فيما مضى، لقد تحوَّل ذاك المكان الى ما يشبه بركة ماء متساوية مع سطح الارض، تبدوا وكأنها وُضعت في وسط المسجد لكي تضفي مسحة جمالية خاصة، ولكنها خالية من تلك الرمزية التي كانت ترمز اليه في حالتها السابقة..
لقد دخلنا المسجد من الجهة الشمالية ووجهنا نحو القبلة.. وقد صار خلفنا الجدار الشمالي الذي يبلغ طوله 110 أمتار.. أما الجدار المقابل لنا حيث مقام أمير المؤمنين عليه السلام فيبلغ طوله 109 أمتار.. والى يسارنا الجدار الشرقي الذي تخرج منه الى مقامي مسلم بن عقيل وهاني بن عروة فيبلغ طوله 116 مترا وكذلك الجدار الغربي الذي كان يؤدي الى منزل أمير المؤمنين عليه السلام والى مقام ميثم التمار.
للتنقل بين محطات المسجد ترتيب ذكره علماء السلف.. فاتفقوا على أشياء واختلفوا في ترتيب بعضها، ولكننا في كل الاحوال لن نستطيع الالتزام بهذا الترتيب مراعاة لعدة أمور، بل سنتنقل بينها حسبما تسمح لنا الظروف بذلك.
المحطة الاولى: مقام ابراهيم
إن المحطة الاولى للداخل الى مسجد الكوفة و التي علينا أن نقصدها هي مقام أبينا ابراهيم عليه السلام، لقد كانت تُعرف بأنها عند الاسطوانة الرابعة، ولكن ما يدل عليها الان هو تلك اللوحة الرخامية الجديدة الى يسارنا.
علينا أن نصلي هنا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، رَكْعَتَانِ بِالْحَمْدِ وَ الصَّمَدِ وَ رَكْعَتَانِ بِالْحَمْدِ وَ الْقَدْر.
هكذا فعل إمُامنا الصادق عليه السلام فَقَدْ رُوِيَ عَنْه أَنَّهُ جَاءَ فِي أَيَّامِ السِّفَاحِ حَتَّى دَخَلَ مِنْ بَابِ الْفِيلِ فَتَيَاسَرَ قَلِيلًا ثُمَّ دَخَلَ فَصَلَّى عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الرَّابِعَةِ وَ هِيَ بِحِذَاءِ الْخَامِسَةِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ تِلْكَ أُسْطُوَانَةُ إِبْرَاهِيمَ (ع) تُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ.
لقد أدينا هذه الصلاة ونحن نستحضر صورة أبينا ابراهيم (ع) وصلاته في هذا المكان ونستذكر كلامه يوم القيامة
" اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ شِيعَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع)".
لا بد إذن من أن نقدم شهادتنا أمامه فنقرأ ما ورد من المأثور:
السَّلَامُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً وَ جَعَلَهُمْ أَنْبِيَاءَ مُرْسَلِينَ وَ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (سَبْعَ مَرَّاتٍ).
نَحْنُ عَلَى وَصِيَّتِكَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي أَوْصَيْتَ بِهَا ذُرِّيَّتَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ نَحْنُ مِنْ شِيعَتِكَ وَ شِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (ص) وَ عَلَيْكَ وَ عَلَى جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ وَ الْأَنْبِيَاءِ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ نَحْنُ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَ دِينِ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَ الْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ وَ وَلَايَةِ مَوْلَانَا عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.
السَّلَامُ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ رَحْمَتُهُ وَ رِضْوَانُهُ وَ بَرَكَاتُهُ وَ عَلَى وَصِيِّهِ وَ خَلِيفَتِهِ الشَّاهِدِ لِلَّهِ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى خَلْقِهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) الصِّدِّيقِ الْأَكْبَرِ وَ الْفَارُوقِ الْمُبِينِ الَّذِي أَخَذْتَ بَيْعَتَهُ عَلَى الْعَالَمِينَ.
رَضِيتَ بِهِمْ أَوْلِيَاءَ وَ مَوَالِيَ وَ حُكَّاماً فِي نَفْسِي وَ وُلْدِي وَ أَهْلِي وَ مَالِي وَ قَسَمِي وَ حِلِّي وَ إِحْرَامِي وَ إِسْلَامِي وَ دِينِي وَ دُنْيَايَ وَ آخِرَتِي وَ مَحْيَايَ وَ مَمَاتِي، أَنْتُمُ الْأَئِمَّةُ فِي الْكِتَابِ وَ فَصْلُ الْمَقَامِ وَ فَصْلُ الْخِطَابِ وَ أَعْيُنُ الْحَيِّ الَّذِي لَا تَنَامُ وَ أَنْتُمْ حُكَمَاءُ اللَّهِ وَ بِكُمْ حَكَمَ اللَّهُ وَ بِكُمْ عُرِفَ حَقُّ اللَّهِ.
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، أَنْتُمْ نُورُ اللَّهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَ مِنْ خَلْفِنَا أَنْتُمْ سُنَّةُ اللَّهِ الَّتِي بِهَا سَبَقَ الْقَضَاءُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا لَكُمْ مُسَلِّمٌ تَسْلِيماً لَا أُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً وَ لَا أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ وَلِيّاً الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي بِكُمْ وَ مَا كُنْتُ لِأَهْتَدِيَ لَوْ لَا أَنْ هَدَانِي اللَّهُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا هَدَانَا.
لقد كان دعاؤنا هنا شاملا للكثير من المعاني، وها نحن ننتقل الى محطة أخرى.
المحطة الثانية: مقام الخضر
الى اليسار قليلا من مقام ابراهيم (ع) نصل الى مقام الخضر (ع)، وما أدراك ما الخضر...
إنه الخضر..المعروف والمجهول.. والذي سماه الله تعالى( عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْما).
إنه صاحب موسى الذي ذهب يبحث عنه حتى التقاه في مجمع البحرين .. وتبعه ليتعلم مما علمه الله رشدا.. وحصل بينهما ما حكاه الله قرآنا..
إنه الذي رافق الاسكندر وشرب من ماء الحياة.. إنه أحد الاربعة الاحياءِ حياةً تزيد عن المعدل الطبيعي لبني البشر.. يونس وعيسى في السماء، والخضر والمهدي في الارض.
إنه الذي توسلت به ام جعفر منذ سنوات مع توسلها بالامام المهدي ، وحصل معها ما حصل.. مما كتبت عنه حينها في موضوع خاص:
شفاء امرأة من مرض خطير ...هل يظهر المهدي المنتظر ليشفي مريضا؟
هذا مقام الخضر الذي روى الامام الجواد (ع) احدى حكاياته فقال:
أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وَ مَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع) وَ هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِ سَلْمَانَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَجَلَسَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَ اللِّبَاسِ فَسَلَّمَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ فَجَلَسَ ثُمَّ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهِنَّ عَلِمْتُ أَنَّ الْقَوْمَ رَكِبُوا مِنْ أَمْرِكَ مَا قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَ أَنْ لَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وَ آخِرَتِهِمْ وَ إِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى عَلِمْتُ أَنَّكَ وَ هُمْ شَرَعٌ سَوَاءٌ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ قَالَ:
أَخْبِرْنِي عَنِ الرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ؟
وَ عَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَذْكُرُ وَ يَنْسَى؟
وَ عَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يُشْبِهُ وَلَدُهُ الْأَعْمَامَ وَ الْأَخْوَالَ؟
فَالْتَفَتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَجِبْهُ، قَالَ فَأَجَابَهُ الْحَسَنُ (ع) فَقَالَ الرَّجُلُ:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا.
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِذَلِكَ.
وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ وَ أَشَارَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا.
وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ وَ أَشَارَ إِلَى الْحَسَنِ (ع).
وَ أَشْهَدُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَصِيُّ أَخِيهِ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ بَعْدَهُ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْحُسَيْنِ بَعْدَهُ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى مُوسَى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى.
وَ أَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ لَا يُكَنَّى وَ لَا يُسَمَّى حَتَّى يَظْهَرَ أَمْرُهُ فَيَمْلَأَهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً.
وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ ثُمَّ قَامَ فَمَضَى.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ اتْبَعْهُ فَانْظُرْ أَيْنَ يَقْصِدُ فَخَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع) فَقَالَ مَا كَانَ إِلَّا أَنْ وَضَعَ رِجْلَهُ خَارِجاً مِنَ الْمَسْجِدِ فَمَا دَرَيْتُ أَيْنَ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ فَرَجَعْتُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فَأَعْلَمْتُهُ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَ تَعْرِفُهُ قُلْتُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ قَالَ هُوَ الْخَضِرُ (ع).
ها نحن إذن في المكان الذي كان يصلي فيه الخضر(ع) في مسجد الكوفة سنصلي هنا ركعتين، ونقرأ بعض الادعية المأثورة عند كل مقام، قبل ان ننتقل منه الى بقية المحطات.
وللحلقة تتمة
ما الذي اشاهده؟ يا الهي!!
لقد غابت الارض الرملية التي كانت تغطي أرض المسجد، واستعيض عنها برخام أبيض ناصع البياض لا يتأثر بأشعة الشمس المحرقة خاصة في صيف العراق الحار، بل يشعر الزائر ببرودة يحفظها هذا الرخام..
إنه من نفس النوع الذي يغطي أرض بيت الله الحرام في مكة المشرفة...
سقفٌ جديد من الجهات الاربع يغطي مساحة معينة بمحاذاة الجدار ليبقى وسط المسجد مكشوفاً.. وأتلفت يمينا وشمالا .. اين هي المقامات التي كانت منتشرة في ارض المسجد والتي كانت تميزها الاسطوانات البارزة؟
لقد استعيض عنها بلوحات رخامية ترتفع قليلا عن وجه الارض للدلالة على كل مقام من المقامات.. بعد أن عمَّت الزخرفة ذاك البناء الجديد من جهاته الاربع..
لا شك ان هذا البناء يضفي على المسجد مسحة من الحداثة والفن العمراني الذي يقوم به البهرة المختصون في مثل هذه الاعمال وعلى نفقتهم، ولكن هل تبقى تلك الروحية التي كان يشعر بها الزائر عندما كان المسجد لا يزال يحاكي التاريخ القديم؟
قد تتعدد الاراء وتختلف، ولكن ما استطيع أن أقوله أن ذاك المكان الذي كان يجسِّد مكان السفينة لم تعد له تلك الرمزية والروحية التي كانت فيما مضى، لقد تحوَّل ذاك المكان الى ما يشبه بركة ماء متساوية مع سطح الارض، تبدوا وكأنها وُضعت في وسط المسجد لكي تضفي مسحة جمالية خاصة، ولكنها خالية من تلك الرمزية التي كانت ترمز اليه في حالتها السابقة..
لقد دخلنا المسجد من الجهة الشمالية ووجهنا نحو القبلة.. وقد صار خلفنا الجدار الشمالي الذي يبلغ طوله 110 أمتار.. أما الجدار المقابل لنا حيث مقام أمير المؤمنين عليه السلام فيبلغ طوله 109 أمتار.. والى يسارنا الجدار الشرقي الذي تخرج منه الى مقامي مسلم بن عقيل وهاني بن عروة فيبلغ طوله 116 مترا وكذلك الجدار الغربي الذي كان يؤدي الى منزل أمير المؤمنين عليه السلام والى مقام ميثم التمار.
للتنقل بين محطات المسجد ترتيب ذكره علماء السلف.. فاتفقوا على أشياء واختلفوا في ترتيب بعضها، ولكننا في كل الاحوال لن نستطيع الالتزام بهذا الترتيب مراعاة لعدة أمور، بل سنتنقل بينها حسبما تسمح لنا الظروف بذلك.
المحطة الاولى: مقام ابراهيم
إن المحطة الاولى للداخل الى مسجد الكوفة و التي علينا أن نقصدها هي مقام أبينا ابراهيم عليه السلام، لقد كانت تُعرف بأنها عند الاسطوانة الرابعة، ولكن ما يدل عليها الان هو تلك اللوحة الرخامية الجديدة الى يسارنا.
علينا أن نصلي هنا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، رَكْعَتَانِ بِالْحَمْدِ وَ الصَّمَدِ وَ رَكْعَتَانِ بِالْحَمْدِ وَ الْقَدْر.
هكذا فعل إمُامنا الصادق عليه السلام فَقَدْ رُوِيَ عَنْه أَنَّهُ جَاءَ فِي أَيَّامِ السِّفَاحِ حَتَّى دَخَلَ مِنْ بَابِ الْفِيلِ فَتَيَاسَرَ قَلِيلًا ثُمَّ دَخَلَ فَصَلَّى عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الرَّابِعَةِ وَ هِيَ بِحِذَاءِ الْخَامِسَةِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ تِلْكَ أُسْطُوَانَةُ إِبْرَاهِيمَ (ع) تُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ.
لقد أدينا هذه الصلاة ونحن نستحضر صورة أبينا ابراهيم (ع) وصلاته في هذا المكان ونستذكر كلامه يوم القيامة
" اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ شِيعَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع)".
لا بد إذن من أن نقدم شهادتنا أمامه فنقرأ ما ورد من المأثور:
السَّلَامُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً وَ جَعَلَهُمْ أَنْبِيَاءَ مُرْسَلِينَ وَ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (سَبْعَ مَرَّاتٍ).
نَحْنُ عَلَى وَصِيَّتِكَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي أَوْصَيْتَ بِهَا ذُرِّيَّتَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ نَحْنُ مِنْ شِيعَتِكَ وَ شِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (ص) وَ عَلَيْكَ وَ عَلَى جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ وَ الْأَنْبِيَاءِ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ نَحْنُ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَ دِينِ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَ الْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ وَ وَلَايَةِ مَوْلَانَا عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.
السَّلَامُ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ رَحْمَتُهُ وَ رِضْوَانُهُ وَ بَرَكَاتُهُ وَ عَلَى وَصِيِّهِ وَ خَلِيفَتِهِ الشَّاهِدِ لِلَّهِ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى خَلْقِهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) الصِّدِّيقِ الْأَكْبَرِ وَ الْفَارُوقِ الْمُبِينِ الَّذِي أَخَذْتَ بَيْعَتَهُ عَلَى الْعَالَمِينَ.
رَضِيتَ بِهِمْ أَوْلِيَاءَ وَ مَوَالِيَ وَ حُكَّاماً فِي نَفْسِي وَ وُلْدِي وَ أَهْلِي وَ مَالِي وَ قَسَمِي وَ حِلِّي وَ إِحْرَامِي وَ إِسْلَامِي وَ دِينِي وَ دُنْيَايَ وَ آخِرَتِي وَ مَحْيَايَ وَ مَمَاتِي، أَنْتُمُ الْأَئِمَّةُ فِي الْكِتَابِ وَ فَصْلُ الْمَقَامِ وَ فَصْلُ الْخِطَابِ وَ أَعْيُنُ الْحَيِّ الَّذِي لَا تَنَامُ وَ أَنْتُمْ حُكَمَاءُ اللَّهِ وَ بِكُمْ حَكَمَ اللَّهُ وَ بِكُمْ عُرِفَ حَقُّ اللَّهِ.
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، أَنْتُمْ نُورُ اللَّهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَ مِنْ خَلْفِنَا أَنْتُمْ سُنَّةُ اللَّهِ الَّتِي بِهَا سَبَقَ الْقَضَاءُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا لَكُمْ مُسَلِّمٌ تَسْلِيماً لَا أُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً وَ لَا أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ وَلِيّاً الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي بِكُمْ وَ مَا كُنْتُ لِأَهْتَدِيَ لَوْ لَا أَنْ هَدَانِي اللَّهُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا هَدَانَا.
لقد كان دعاؤنا هنا شاملا للكثير من المعاني، وها نحن ننتقل الى محطة أخرى.
المحطة الثانية: مقام الخضر
الى اليسار قليلا من مقام ابراهيم (ع) نصل الى مقام الخضر (ع)، وما أدراك ما الخضر...
إنه الخضر..المعروف والمجهول.. والذي سماه الله تعالى( عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْما).
إنه صاحب موسى الذي ذهب يبحث عنه حتى التقاه في مجمع البحرين .. وتبعه ليتعلم مما علمه الله رشدا.. وحصل بينهما ما حكاه الله قرآنا..
إنه الذي رافق الاسكندر وشرب من ماء الحياة.. إنه أحد الاربعة الاحياءِ حياةً تزيد عن المعدل الطبيعي لبني البشر.. يونس وعيسى في السماء، والخضر والمهدي في الارض.
إنه الذي توسلت به ام جعفر منذ سنوات مع توسلها بالامام المهدي ، وحصل معها ما حصل.. مما كتبت عنه حينها في موضوع خاص:
شفاء امرأة من مرض خطير ...هل يظهر المهدي المنتظر ليشفي مريضا؟
هذا مقام الخضر الذي روى الامام الجواد (ع) احدى حكاياته فقال:
أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وَ مَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع) وَ هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِ سَلْمَانَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَجَلَسَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَ اللِّبَاسِ فَسَلَّمَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ فَجَلَسَ ثُمَّ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهِنَّ عَلِمْتُ أَنَّ الْقَوْمَ رَكِبُوا مِنْ أَمْرِكَ مَا قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَ أَنْ لَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وَ آخِرَتِهِمْ وَ إِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى عَلِمْتُ أَنَّكَ وَ هُمْ شَرَعٌ سَوَاءٌ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ قَالَ:
أَخْبِرْنِي عَنِ الرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ؟
وَ عَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَذْكُرُ وَ يَنْسَى؟
وَ عَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يُشْبِهُ وَلَدُهُ الْأَعْمَامَ وَ الْأَخْوَالَ؟
فَالْتَفَتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَجِبْهُ، قَالَ فَأَجَابَهُ الْحَسَنُ (ع) فَقَالَ الرَّجُلُ:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا.
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِذَلِكَ.
وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ وَ أَشَارَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا.
وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ وَ أَشَارَ إِلَى الْحَسَنِ (ع).
وَ أَشْهَدُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَصِيُّ أَخِيهِ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ بَعْدَهُ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْحُسَيْنِ بَعْدَهُ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى مُوسَى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى.
وَ أَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ لَا يُكَنَّى وَ لَا يُسَمَّى حَتَّى يَظْهَرَ أَمْرُهُ فَيَمْلَأَهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً.
وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ ثُمَّ قَامَ فَمَضَى.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ اتْبَعْهُ فَانْظُرْ أَيْنَ يَقْصِدُ فَخَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع) فَقَالَ مَا كَانَ إِلَّا أَنْ وَضَعَ رِجْلَهُ خَارِجاً مِنَ الْمَسْجِدِ فَمَا دَرَيْتُ أَيْنَ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ فَرَجَعْتُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فَأَعْلَمْتُهُ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَ تَعْرِفُهُ قُلْتُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ قَالَ هُوَ الْخَضِرُ (ع).
ها نحن إذن في المكان الذي كان يصلي فيه الخضر(ع) في مسجد الكوفة سنصلي هنا ركعتين، ونقرأ بعض الادعية المأثورة عند كل مقام، قبل ان ننتقل منه الى بقية المحطات.
وللحلقة تتمة