ثم:
أليست الكوفة هي المدينة التي اتخذها أمير المؤمنين مركزا لحكمه؟
أليست هي التي سُحب فيها مسلم بن عقيل في الازقة؟
أليست هي التي خرج منها حبيب لنصرة الحسين، وهو الشيخ التسعيني؟
أليست هي التي أدخل اليها رأس الحسين مرفوعا على الرمح ؟
ثم أليست هي التي انتقم فيها المختار من كل اولئك القتلة؟
اي تاريخ يستحضرنا عندما نذكر الكوفة؟ وأي مستقبل يرتسم أمامنا؟
أليس فيها ينتهي الوقت المعلوم عند إقامة دولة العدل الالهي بعد ظهور القائم؟
وتسير بنا السيارة ويسبح بنا الخيال في كل تلك الاتجاهات..
في أية محطة يمكنك ان تتوقف؟
يسترعي انتباهك محطة من تلك المحطات فنقف في الذاكرة عند ميثم التمار.. التفت الى ابني قائلا:
بُنيّ هذا مقام ميثم التمار..
يعدل في جلسته ويظهر لديه شَغف ليرى ويتأمل ويأخذ الصور.. لما يحمله هذا الاسم لديه من معنى وأثر..
عندما يسأله زملاؤه في المدرسة عن معنى اسمه .. فيقول لهم .. انه تيمناً بصاحب امير المؤمنين " ميثم التمار".
كثيرون يخطئون باسمه فينادونه بالاسم الشبيه الشائع في لبنان " هيثم"، وعندما يصحح لهم اسمه يطلبون منه أن يحدثهم عن ميثم.
إذن ها هو الان أمام مقام ميثم التمار..
ميثم التمار الذي حمل بعض أسرار أمير المؤمنين..
ميثم التمار الذي بكى على الحسين قبل شهادته ونقل عن امير المؤمنين الكثير من الاخبار والاحداث التي تحققت فيما بعد فكان مما نقل عنه:
عَنْ جَبَلَةَ الْمَكِّيَّةِ قَالَت سَمِعْتُ مِيثَمَ التَّمَّارَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ:
وَ اللَّهِ لَتَقْتُلُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ابْنَ نَبِيِّهَا فِي الْمُحَرَّمِ لِعَشْرٍ يَمْضِينَ مِنْهُ وَ لَيَتَّخِذَنَّ أَعْدَاءُ اللَّهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمَ بَرَكَةٍ وَ إِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَعْلَمُ ذَلِكَ لِعَهْدٍ عَهِدَهُ إِلَيَّ مَوْلَايَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَ لَقَدْ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ يَبْكِي عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْوُحُوشُ فِي الْفَلَوَاتِ وَ الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ وَ الطَّيْرُ فِي السَّمَاءِ وَ يَبْكِي عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ وَ مُؤْمِنُو الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ وَ جَمِيعُ مَلَائِكَةِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ وَ رِضْوَانُ وَ مَالِكٌ وَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَ تَمْطُرُ السَّمَاءُ دَماً وَ رَمَاداً.
ثُمَّ قَالَ وَجَبَتْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ كَمَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ، وَ كَمَا وَجَبَتْ عَلَى الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى وَ الْمَجُوسِ.
قَالَت جَبَلَةُ فَقُلْتُ لَهُ يَا مِيثَمُ فَكَيْفَ يَتَّخِذُ النَّاسُ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ يَوْمَ بَرَكَةٍ فَبَكَى مِيثَمٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ:
يَزْعُمُونَ لِحَدِيثٍ يَضَعُونَهُ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي تَابَ اللَّهُ فِيهِ عَلَى آدَمَ، وَ إِنَّمَا تَابَ اللَّهُ عَلَى آدَمَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي قَبِلَ اللَّهُ فِيهِ تَوْبَةَ دَاوُدَ وَ إِنَّمَا قَبِلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ تَوْبَتَهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي أَخْرَجَ اللَّهُ فِيهِ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ وَ إِنَّمَا أَخْرَجَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي اسْتَوَتْ فِيهِ سَفِينَةُ نُوحٍ عَلَى الْجُودِيِّ وَ إِنَّمَا اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ فِي يَوْمِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي فَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِ الْبَحْرَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
ثُمَّ قَالَ مِيثَمٌ: يَا جَبَلَةُ اعْلَمِي أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ لِأَصْحَابِهِ عَلَى سَائِرِ الشُّهَدَاءِ دَرَجَةٌ، يَا جَبَلَةُ إِذَا نَظَرْتِ إِلَى الشَّمْسِ حَمْرَاءَ كَأَنَّهَا دَمٌ عَبِيطٌ فَاعْلَمِي أَنَّ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ الْحُسَيْنَ قَدْ قُتِلَ.
قَالَتْ جَبَلَةُ فَخَرَجْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَرَأَيْتُ الشَّمْسَ عَلَى الْحِيطَانِ كَأَنَّهَا الْمَلَاحِفُ الْمُعَصْفَرَةُ فَصِحْتُ حِينَئِذٍ وَ بَكَيْتُ وَ قُلْتُ قَدْ وَ اللَّهِ قُتِلَ سَيِّدُنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع).
لقد بحث ابني عن سيرة ميثم ليخبر بها اصدقاءه وأعجبته هذه القصة المروية:
مَرَّ مِيثَمٌ التَّمَّارُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فَاسْتَقْبَلَ حَبِيبَ بْنَ مُظَاهِرٍ الْأَسَدِيَّ عِنْدَ مَجْلِسِ بَنِي أَسَدٍ فَتَحَدَّثَا حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَعْنَاقُ فَرَسَيْهِمَا ثُمَّ قَالَ حَبِيبٌ لَكَأَنِّي بِشَيْخٍ أَصْلَعَ ضَخْمِ الْبَطْنِ يَبِيعُ الْبِطِّيخَ عِنْدَ دَارِ الرِّزْقِ قَدْ صُلِبَ فِي حُبِّ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ (ع) وَ يُبْقَرُ بَطْنُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ.
فَقَالَ مِيثَمٌ وَ إِنِّي لَأَعْرِفُ رَجُلًا أَحْمَرَ لَهُ ضَفِيرَتَانِ يَخْرُجُ لِنُصْرَةِ ابْنِ بِنْتِ نَبِيِّهِ وَ يُقْتَلُ وَ يُجَالُ بِرَأْسِهِ بِالْكُوفَةِ.
ثُمَّ افْتَرَقَا فَقَالَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ مَا رَأَيْنَا أَحَداً أَكْذَبَ مِنْ هَذَيْنِ.
قَالَ فَلَمْ يَفْتَرِقْ أَهْلُ الْمَجْلِسِ حَتَّى أَقْبَلَ رُشَيْدٌ الْهَجَرِيُّ فَطَلَبَهُمَا فَسَأَلَ أَهْلَ الْمَجْلِسِ عَنْهُمَا فَقَالُوا افْتَرَقَا وَ سَمِعْنَاهُمَا يَقُولَانِ كَذَا وَ كَذَا.
فَقَالَ رُشَيْدٌ رَحِمَ اللَّهُ مِيثَماً نَسِيَ وَ يُزَادُ فِي عَطَاءِ الَّذِي يَجِيءُ بِالرَّأْسِ مِائَةُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَدْبَرَ.
فَقَالَ الْقَوْمُ هَذَا وَ اللَّهِ أَكْذَبُهُمْ.
فَقَالَ الْقَوْمُ وَ اللَّهِ مَا ذَهَبَتِ الْأَيَّامُ وَ اللَّيَالِي حَتَّى رَأَيْنَاهُ مَصْلُوباً عَلَى بَابِ دَارِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، وَ جِيءَ بِرَأْسِ حَبِيبِ بْنِ مُظَاهِرٍ وَ قَدْ قُتِلَ مَعَ الْحُسَيْنِ، وَ رَأَيْنَا كُلَّ مَا قَالُوا.
وَ كَانَ حَبِيبٌ مِنَ السَّبْعِينَ الرِّجَالِ الَّذِينَ نَصَرُوا الْحُسَيْنَ (ع) وَ لَقُوا جِبَالَ الْحَدِيدِ وَ اسْتَقْبَلُوا الرِّمَاحَ بِصُدُورِهِمْ وَ السُّيُوفَ بِوُجُوهِهِمْ وَ هُمْ يُعْرَضُ عَلَيْهِمُ الْأَمَانُ وَ الْأَمْوَالُ فَيَأْبَوْنَ فَيَقُولُونَ لَا عُذْرَ لَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ إِنْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ وَ مِنَّا عَيْنٌ تَطْرِفُ حَتَّى قُتِلُوا حَوْلَهُ.
وَ لَقَدْ مَزَحَ حَبِيبُ بْنُ مُظَاهِرٍ الْأَسَدِيُّ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ بْنُ حُصَيْنٍ الْهَمْدَانِيُّ وَ كَانَ يُقَالُ لَهُ سَيِّدُ الْقُرَّاءِ يَا أَخِي لَيْسَ هَذِهِ بِسَاعَةِ ضَحِكٍ قَالَ فَأَيُّ مَوْضِعٍ أَحَقُّ مِنْ هَذَا بِالسُّرُورِ وَ اللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ تَمِيلَ عَلَيْنَا هَذِهِ الطَّغَامُ بِسُيُوفِهِمْ فَنُعَانِقُ الْحُورَ الْعِين.
نعم هذا هو ميثم وهذا هو مقامه الذي غدا مزارا خلده التاريخ..
خلدته المواقف الحقة.. خلده الانتماء الصادق الى المدرسة الالهية..
ذاك المكان الذي كان يتعاهده ميثم ، بجانب جذع الشجرة ، حيث كان يصلي، وينتظر الساعة التي أخبره عنها أمير المؤمنين غدا محجة يومية للزائرين..
بعد اربعة عشر قرن من الزمن نعيد قراءة قصة ميثم بلغة اخرى:
فقدكَانَ مِيثَمٌ التَّمَّارُ مَوْلَى عَلِيٍّ (ع) عَبْداً لِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَاشْتَرَاهُ عَلِيٌّ (ع) وَ أَعْتَقَهُ وَ قَالَ لَهُ مَا اسْمُكَ قَالَ سَالِمٌ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) أَخْبَرَنِي أَنَّ اسْمَكَ الَّذِي سَمَّاكَ بِهِ أَبُوكَ فِي الْعَجَمِ مِيثَمٌ، قَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقْتَ هُوَ اسْمِي قَالَ فَارْجِعْ إِلَى اسْمِكَ وَ دَعْ سَالِماً وَ نَحْنُ نُكَنِّيكَ بِهِ فَكَنَّاهُ أَبَا سَالِمٍ.
قَالَ وَ قَدْ كَانَ أَطْلَعَهُ عَلِيٌّ (ع) عَلَى عِلْمٍ كَثِيرٍ وَ أَسْرَارٍ خَفِيَّةٍ مِنْ أَسْرَارِ الْوَصِيَّةِ فَكَانَ مِيثَمٌ يُحَدِّثُ بِبَعْضِ ذَلِكَ فَيَشُكُّ فِيهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَ يَنْسِبُونَ عَلِيّاً (ع) فِي ذَلِكَ إِلَى الْمَخْرَفَةِ وَ الْإِيهَامِ وَ التَّدْلِيسِ حَتَّى قَالَ لَهُ يَوْماً بِمَحْضَرٍ مِنْ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ فِيهِمُ الشَّاكُّ وَ الْمُخْلِصُ
يَا مِيثَمُ إِنَّكَ تُؤْخَذُ بَعْدِي وَ تُصَلَّبُ، فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي ابْتَدَرَ مِنْخَرَاكَ وَ فَمُكَ دَماً حَتَّى تُخْضَبَ لِحْيَتُكَ، فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ طُعِنْتَ بِحَرْبَةٍ فَيُقْضَى عَلَيْكَ فَانْتَظِرْ ذَلِكَ وَ الْمَوْضِعَ الَّذِي تُصَلَّبُ فِيهِ عَلَى دَارِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ.
إِنَّكَ لَعَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنْتَ أَقْصَرُهُمْ خَشَبَةً وَ أَقْرَبُهُمْ مِنَ الْمُطَهِّرَةِ يَعْنِي الْأَرْضَ وَ لَأُرِيَنَّكَ النَّخْلَةَ الَّتِي تُصَلَّبُ عَلَى جِذْعِهَا، ثُمَّ أَرَاهُ إِيَّاهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ، فَكَانَ مِيثَمٌ يَأْتِيهَا فَيُصَلِّي عِنْدَهَا وَ يَقُولُ بُورِكْتِ مِنْ نَخْلَةٍ لَكِ خُلِقْتُ وَ لِي نَبَتِ.
فَلَمْ يَزَلْ يَتَعَاهَدُهَا بَعْدَ قَتْلِ عَلِيٍّ (ع) حَتَّى قُطِعَتْ فَكَانَ يَرْصُدُ جِذْعَهَا وَ يَتَعَاهَدُهُ وَ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ وَ يُبْصِرُهُ وَ كَانَ يَلْقَى عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ فَيَقُولُ لَهُ إِنِّي مُجَاوِرُكَ فَأَحْسِنْ جِوَارِي فَلَا يَعْلَمُ عَمْرٌو مَا يُرِيدُ فَيَقُولُ لَهُ أَ تُرِيدُ أَنْ تَشْتَرِيَ دَارَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَمْ دَارَ ابْنِ حَكِيمٍ؟
قَالَ: وَ حَجَّ فِي السَّنَةِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ لَهُ مَنْ أَنْتَ قَالَ عِرَاقِيٌّ فَاسْتَنْسَبَتْهُ فَذَكَرَ لَهَا أَنَّهُ مَوْلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) فَقَالَتْ أَنْتَ هَيْثَمٌ قَالَ بَلْ أَنَا مِيثَمٌ.
فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ اللَّهِ لَرُبَّمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (ص) يُوصِي بِكَ عَلِيّاً فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَسَأَلَهَا عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) فَقَالَتْ هُوَ فِي حَائِطٍ لَهُ قَالَ أَخْبِرِيهِ أَنِّي أَحْبَبْتُ السَّلَامَ عَلَيْهِ وَ نَحْنُ مُلْتَقُونَ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ لَا أَقْدِرُ الْيَوْمَ عَلَى لِقَائِهِ وَ أُرِيدُ الرُّجُوعَ، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَطَيَّبَتْ لِحْيَتَهُ فَقَالَ لَهَا أَمَا إِنَّهَا سَتُخْضَبُ بِدَمٍ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ أَنْبَأَنِي سَيِّدِي فَبَكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَ قَالَتْ:
إِنَّهُ لَيْسَ بِسَيِّدِكَ وَحْدَكَ هُوَ سَيِّدِي وَ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.
ثُمَّ وَدَّعَتْهُ فَقَدِمَ الْكُوفَةَ فَأُخِذَ وَ أُدْخِلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَ قِيلَ لَهُ هَذَا كَانَ مِنْ آثَرِ النَّاسِ عِنْدَ أَبِي تُرَابٍ قَالَ وَيْحَكُمْ هَذَا الْأَعْجَمِيُّ قَالُوا نَعَمْ فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ:
أَيْنَ رَبُّكَ؟
قَالَ بِالْمِرْصَادِ.
قَالَ قَدْ بَلَغَنِي اخْتِصَاصُ أَبِي تُرَابٍ لَكَ؟
قَالَ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ فَمَا تُرِيدُ؟
قَالَ وَ إِنَّهُ لَيُقَالُ إِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَكَ بِمَا سَيَلْقَاكَ؟
قَالَ نَعَمْ إِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّكَ تُصَلِّبُنِي عَاشِرَ عَشَرَةٍ وَ أَنَا أَقْصَرُهُمْ خَشَبَةً وَ أَقْرَبُهُمْ مِنَ الْمُطَهِّرَةِ.
قَالَ لَأُخَالِفَنَّهُ.
قَالَ وَيْحَكَ كَيْفَ تُخَالِفُهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) عَنْ جَبْرَئِيلَ وَ أَخْبَرَ جَبْرَئِيلُ عَنِ اللَّهِ فَكَيْفَ تُخَالِفُ هَؤُلَاءِ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ الْمَوْضِعَ الَّذِي أُصَلَّبُ فِيهِ أَيْنَ هُوَ مِنَ الْكُوفَةِ وَ إِنِّي لَأَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ أُلْجَمُ فِي الْإِسْلَامِ بِلِجَامٍ كَمَا يُلْجَمُ الْخَيْلُ.
فَحَبَسَهُ وَ حَبَسَ مَعَهُ الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ الثَّقَفِيَّ.
فَقَالَ مِيثَمٌ لِلْمُخْتَارِ وَ هُمَا فِي حَبْسِ ابْنِ زِيَادٍ إِنَّكَ تُفْلِتُ وَ تَخْرُجُ ثَائِراً بِدَمِ الْحُسَيْنِ (ع) فَتَقْتُلُ هَذَا الْجَبَّارَ الَّذِي نَحْنُ فِي سِجْنِهِ وَ تَطَأُ بِقَدَمِكَ هَذَا عَلَى جَبْهَتِهِ وَ خَدَّيْهِ.
فَلَمَّا دَعَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِالْمُخْتَارِ لِيَقْتُلَهُ طَلَعَ الْبَرِيدُ بِكِتَابِ يَزِيدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ يَأْمُرُهُ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِ وَ ذَلِكَ أَنَّ أُخْتَهُ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلَتْ بَعْلَهَا أَنْ يَشْفَعَ فِيهِ إِلَى يَزِيدَ فَشَفِعَ فَأَمْضَى شَفَاعَتَهُ فَكَتَبَ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِ الْمُخْتَارِ عَلَى الْبَرِيدِ فَوَافَى الْبَرِيدُ وَ قَدْ أُخْرِجَ لِيُضْرَبَ عُنُقُهُ فَأُطْلِقَ.
وَ أَمَّا مِيثَمٌ فَأُخْرِجَ بَعْدَهُ لِيُصْلَبَ وَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ لَأَمْضِيَنَّ حُكْمَ أَبِي تُرَابٍ فِيهِ،فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ مَا كَانَ أَغْنَاكَ عَنْ هَذَا يَا مِيثَمُ فَتَبَسَّمَ وَ قَالَ:
لَهَا خُلِقْتُ وَ لِي غُذِّيَتْ، فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى الْخَشَبَةِ اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَهُ عَلَى بَابِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، فَقَالَ عَمْرٌو لَقَدْ كَانَ يَقُولُ إِنِّي مُجَاوِرُكَ وَ كَانَ يَأْمُرُ جَارِيَتَهُ كُلَّ عَشِيَّةٍ أَنْ تَكْنِسَ تَحْتَ خَشَبَتِهِ وَ تَرُشَّهُ وَ تُجَمِّرَ بِمِجْمَرَةٍ تَحْتَهُ.
فَجَعَلَ مِيثَمٌ يُحَدِّثُ بِفَضَائِلِ بَنِي هَاشِمٍ وَ مَخَازِي بَنِي أُمَيَّةَ وَ هُوَ مَصْلُوبٌ عَلَى الْخَشَبَةِ.
فَقِيلَ لِابْنِ زِيَادٍ قَدْ فَضَحَكُمْ هَذَا الْعَبْدُ.
فَقَالَ أَلْجِمُوهُ فَأُلْجِمَ فَكَانَ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ أُلْجِمَ فِي الْإِسْلَامِ.
فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَاضَتْ مَنْخِرَاهُ وَ فَمُهُ دَماً فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ طُعِنَ بِحَرْبَةٍ فَمَاتَ.
وَ كَانَ قَتْلُ مِيثَمٍ قَبْلَ قُدُومِ الْحُسَيْنِ ع الْعِرَاقَ بِعَشَرَةِ أَيَّامِ..
هذه هي سيرة ميثم التمار.. وقد أعزه الله تعالى .. فغدا ذكره واسمه رمزاً للموالين..
هذا المكان الذي صلب فيه ميثم، ثم دفن غدا معلما يصله الوافد قبل أن يصل الى مسجد الكوفة.. وغدا ما بينه وبين مسجد الكوفة ساحة وسيعة خضراء يتجول بين ارجاءها القاصدون ولا يفصل بينها وبين المسجد سوى منزل أمير المؤمنين عليه السلام..
مقام لميثم، وبيت لامير المؤمنين، ومسجد الكوفة والى جانبه قبة ذهبية فوق قبر مسلم بن عقيل ، تقابله قبة فوق قبر هاني بن عروة.
سبحانك يا الهي .. تعز من تشاء.. وتذل من تشاء..
وللحديث تتمة
أليست الكوفة هي المدينة التي اتخذها أمير المؤمنين مركزا لحكمه؟
أليست هي التي سُحب فيها مسلم بن عقيل في الازقة؟
أليست هي التي خرج منها حبيب لنصرة الحسين، وهو الشيخ التسعيني؟
أليست هي التي أدخل اليها رأس الحسين مرفوعا على الرمح ؟
ثم أليست هي التي انتقم فيها المختار من كل اولئك القتلة؟
اي تاريخ يستحضرنا عندما نذكر الكوفة؟ وأي مستقبل يرتسم أمامنا؟
أليس فيها ينتهي الوقت المعلوم عند إقامة دولة العدل الالهي بعد ظهور القائم؟
وتسير بنا السيارة ويسبح بنا الخيال في كل تلك الاتجاهات..
في أية محطة يمكنك ان تتوقف؟
يسترعي انتباهك محطة من تلك المحطات فنقف في الذاكرة عند ميثم التمار.. التفت الى ابني قائلا:
بُنيّ هذا مقام ميثم التمار..
يعدل في جلسته ويظهر لديه شَغف ليرى ويتأمل ويأخذ الصور.. لما يحمله هذا الاسم لديه من معنى وأثر..
عندما يسأله زملاؤه في المدرسة عن معنى اسمه .. فيقول لهم .. انه تيمناً بصاحب امير المؤمنين " ميثم التمار".
كثيرون يخطئون باسمه فينادونه بالاسم الشبيه الشائع في لبنان " هيثم"، وعندما يصحح لهم اسمه يطلبون منه أن يحدثهم عن ميثم.
إذن ها هو الان أمام مقام ميثم التمار..
ميثم التمار الذي حمل بعض أسرار أمير المؤمنين..
ميثم التمار الذي بكى على الحسين قبل شهادته ونقل عن امير المؤمنين الكثير من الاخبار والاحداث التي تحققت فيما بعد فكان مما نقل عنه:
عَنْ جَبَلَةَ الْمَكِّيَّةِ قَالَت سَمِعْتُ مِيثَمَ التَّمَّارَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ:
وَ اللَّهِ لَتَقْتُلُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ابْنَ نَبِيِّهَا فِي الْمُحَرَّمِ لِعَشْرٍ يَمْضِينَ مِنْهُ وَ لَيَتَّخِذَنَّ أَعْدَاءُ اللَّهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمَ بَرَكَةٍ وَ إِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَعْلَمُ ذَلِكَ لِعَهْدٍ عَهِدَهُ إِلَيَّ مَوْلَايَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَ لَقَدْ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ يَبْكِي عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْوُحُوشُ فِي الْفَلَوَاتِ وَ الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ وَ الطَّيْرُ فِي السَّمَاءِ وَ يَبْكِي عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ وَ مُؤْمِنُو الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ وَ جَمِيعُ مَلَائِكَةِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ وَ رِضْوَانُ وَ مَالِكٌ وَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَ تَمْطُرُ السَّمَاءُ دَماً وَ رَمَاداً.
ثُمَّ قَالَ وَجَبَتْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ كَمَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ، وَ كَمَا وَجَبَتْ عَلَى الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى وَ الْمَجُوسِ.
قَالَت جَبَلَةُ فَقُلْتُ لَهُ يَا مِيثَمُ فَكَيْفَ يَتَّخِذُ النَّاسُ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ يَوْمَ بَرَكَةٍ فَبَكَى مِيثَمٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ:
يَزْعُمُونَ لِحَدِيثٍ يَضَعُونَهُ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي تَابَ اللَّهُ فِيهِ عَلَى آدَمَ، وَ إِنَّمَا تَابَ اللَّهُ عَلَى آدَمَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي قَبِلَ اللَّهُ فِيهِ تَوْبَةَ دَاوُدَ وَ إِنَّمَا قَبِلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ تَوْبَتَهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي أَخْرَجَ اللَّهُ فِيهِ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ وَ إِنَّمَا أَخْرَجَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي اسْتَوَتْ فِيهِ سَفِينَةُ نُوحٍ عَلَى الْجُودِيِّ وَ إِنَّمَا اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ فِي يَوْمِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي فَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِ الْبَحْرَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
ثُمَّ قَالَ مِيثَمٌ: يَا جَبَلَةُ اعْلَمِي أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ لِأَصْحَابِهِ عَلَى سَائِرِ الشُّهَدَاءِ دَرَجَةٌ، يَا جَبَلَةُ إِذَا نَظَرْتِ إِلَى الشَّمْسِ حَمْرَاءَ كَأَنَّهَا دَمٌ عَبِيطٌ فَاعْلَمِي أَنَّ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ الْحُسَيْنَ قَدْ قُتِلَ.
قَالَتْ جَبَلَةُ فَخَرَجْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَرَأَيْتُ الشَّمْسَ عَلَى الْحِيطَانِ كَأَنَّهَا الْمَلَاحِفُ الْمُعَصْفَرَةُ فَصِحْتُ حِينَئِذٍ وَ بَكَيْتُ وَ قُلْتُ قَدْ وَ اللَّهِ قُتِلَ سَيِّدُنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع).
لقد بحث ابني عن سيرة ميثم ليخبر بها اصدقاءه وأعجبته هذه القصة المروية:
مَرَّ مِيثَمٌ التَّمَّارُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فَاسْتَقْبَلَ حَبِيبَ بْنَ مُظَاهِرٍ الْأَسَدِيَّ عِنْدَ مَجْلِسِ بَنِي أَسَدٍ فَتَحَدَّثَا حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَعْنَاقُ فَرَسَيْهِمَا ثُمَّ قَالَ حَبِيبٌ لَكَأَنِّي بِشَيْخٍ أَصْلَعَ ضَخْمِ الْبَطْنِ يَبِيعُ الْبِطِّيخَ عِنْدَ دَارِ الرِّزْقِ قَدْ صُلِبَ فِي حُبِّ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ (ع) وَ يُبْقَرُ بَطْنُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ.
فَقَالَ مِيثَمٌ وَ إِنِّي لَأَعْرِفُ رَجُلًا أَحْمَرَ لَهُ ضَفِيرَتَانِ يَخْرُجُ لِنُصْرَةِ ابْنِ بِنْتِ نَبِيِّهِ وَ يُقْتَلُ وَ يُجَالُ بِرَأْسِهِ بِالْكُوفَةِ.
ثُمَّ افْتَرَقَا فَقَالَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ مَا رَأَيْنَا أَحَداً أَكْذَبَ مِنْ هَذَيْنِ.
قَالَ فَلَمْ يَفْتَرِقْ أَهْلُ الْمَجْلِسِ حَتَّى أَقْبَلَ رُشَيْدٌ الْهَجَرِيُّ فَطَلَبَهُمَا فَسَأَلَ أَهْلَ الْمَجْلِسِ عَنْهُمَا فَقَالُوا افْتَرَقَا وَ سَمِعْنَاهُمَا يَقُولَانِ كَذَا وَ كَذَا.
فَقَالَ رُشَيْدٌ رَحِمَ اللَّهُ مِيثَماً نَسِيَ وَ يُزَادُ فِي عَطَاءِ الَّذِي يَجِيءُ بِالرَّأْسِ مِائَةُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَدْبَرَ.
فَقَالَ الْقَوْمُ هَذَا وَ اللَّهِ أَكْذَبُهُمْ.
فَقَالَ الْقَوْمُ وَ اللَّهِ مَا ذَهَبَتِ الْأَيَّامُ وَ اللَّيَالِي حَتَّى رَأَيْنَاهُ مَصْلُوباً عَلَى بَابِ دَارِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، وَ جِيءَ بِرَأْسِ حَبِيبِ بْنِ مُظَاهِرٍ وَ قَدْ قُتِلَ مَعَ الْحُسَيْنِ، وَ رَأَيْنَا كُلَّ مَا قَالُوا.
وَ كَانَ حَبِيبٌ مِنَ السَّبْعِينَ الرِّجَالِ الَّذِينَ نَصَرُوا الْحُسَيْنَ (ع) وَ لَقُوا جِبَالَ الْحَدِيدِ وَ اسْتَقْبَلُوا الرِّمَاحَ بِصُدُورِهِمْ وَ السُّيُوفَ بِوُجُوهِهِمْ وَ هُمْ يُعْرَضُ عَلَيْهِمُ الْأَمَانُ وَ الْأَمْوَالُ فَيَأْبَوْنَ فَيَقُولُونَ لَا عُذْرَ لَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ إِنْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ وَ مِنَّا عَيْنٌ تَطْرِفُ حَتَّى قُتِلُوا حَوْلَهُ.
وَ لَقَدْ مَزَحَ حَبِيبُ بْنُ مُظَاهِرٍ الْأَسَدِيُّ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ بْنُ حُصَيْنٍ الْهَمْدَانِيُّ وَ كَانَ يُقَالُ لَهُ سَيِّدُ الْقُرَّاءِ يَا أَخِي لَيْسَ هَذِهِ بِسَاعَةِ ضَحِكٍ قَالَ فَأَيُّ مَوْضِعٍ أَحَقُّ مِنْ هَذَا بِالسُّرُورِ وَ اللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ تَمِيلَ عَلَيْنَا هَذِهِ الطَّغَامُ بِسُيُوفِهِمْ فَنُعَانِقُ الْحُورَ الْعِين.
نعم هذا هو ميثم وهذا هو مقامه الذي غدا مزارا خلده التاريخ..
خلدته المواقف الحقة.. خلده الانتماء الصادق الى المدرسة الالهية..
ذاك المكان الذي كان يتعاهده ميثم ، بجانب جذع الشجرة ، حيث كان يصلي، وينتظر الساعة التي أخبره عنها أمير المؤمنين غدا محجة يومية للزائرين..
بعد اربعة عشر قرن من الزمن نعيد قراءة قصة ميثم بلغة اخرى:
فقدكَانَ مِيثَمٌ التَّمَّارُ مَوْلَى عَلِيٍّ (ع) عَبْداً لِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَاشْتَرَاهُ عَلِيٌّ (ع) وَ أَعْتَقَهُ وَ قَالَ لَهُ مَا اسْمُكَ قَالَ سَالِمٌ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) أَخْبَرَنِي أَنَّ اسْمَكَ الَّذِي سَمَّاكَ بِهِ أَبُوكَ فِي الْعَجَمِ مِيثَمٌ، قَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقْتَ هُوَ اسْمِي قَالَ فَارْجِعْ إِلَى اسْمِكَ وَ دَعْ سَالِماً وَ نَحْنُ نُكَنِّيكَ بِهِ فَكَنَّاهُ أَبَا سَالِمٍ.
قَالَ وَ قَدْ كَانَ أَطْلَعَهُ عَلِيٌّ (ع) عَلَى عِلْمٍ كَثِيرٍ وَ أَسْرَارٍ خَفِيَّةٍ مِنْ أَسْرَارِ الْوَصِيَّةِ فَكَانَ مِيثَمٌ يُحَدِّثُ بِبَعْضِ ذَلِكَ فَيَشُكُّ فِيهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَ يَنْسِبُونَ عَلِيّاً (ع) فِي ذَلِكَ إِلَى الْمَخْرَفَةِ وَ الْإِيهَامِ وَ التَّدْلِيسِ حَتَّى قَالَ لَهُ يَوْماً بِمَحْضَرٍ مِنْ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ فِيهِمُ الشَّاكُّ وَ الْمُخْلِصُ
يَا مِيثَمُ إِنَّكَ تُؤْخَذُ بَعْدِي وَ تُصَلَّبُ، فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي ابْتَدَرَ مِنْخَرَاكَ وَ فَمُكَ دَماً حَتَّى تُخْضَبَ لِحْيَتُكَ، فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ طُعِنْتَ بِحَرْبَةٍ فَيُقْضَى عَلَيْكَ فَانْتَظِرْ ذَلِكَ وَ الْمَوْضِعَ الَّذِي تُصَلَّبُ فِيهِ عَلَى دَارِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ.
إِنَّكَ لَعَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنْتَ أَقْصَرُهُمْ خَشَبَةً وَ أَقْرَبُهُمْ مِنَ الْمُطَهِّرَةِ يَعْنِي الْأَرْضَ وَ لَأُرِيَنَّكَ النَّخْلَةَ الَّتِي تُصَلَّبُ عَلَى جِذْعِهَا، ثُمَّ أَرَاهُ إِيَّاهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ، فَكَانَ مِيثَمٌ يَأْتِيهَا فَيُصَلِّي عِنْدَهَا وَ يَقُولُ بُورِكْتِ مِنْ نَخْلَةٍ لَكِ خُلِقْتُ وَ لِي نَبَتِ.
فَلَمْ يَزَلْ يَتَعَاهَدُهَا بَعْدَ قَتْلِ عَلِيٍّ (ع) حَتَّى قُطِعَتْ فَكَانَ يَرْصُدُ جِذْعَهَا وَ يَتَعَاهَدُهُ وَ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ وَ يُبْصِرُهُ وَ كَانَ يَلْقَى عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ فَيَقُولُ لَهُ إِنِّي مُجَاوِرُكَ فَأَحْسِنْ جِوَارِي فَلَا يَعْلَمُ عَمْرٌو مَا يُرِيدُ فَيَقُولُ لَهُ أَ تُرِيدُ أَنْ تَشْتَرِيَ دَارَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَمْ دَارَ ابْنِ حَكِيمٍ؟
قَالَ: وَ حَجَّ فِي السَّنَةِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ لَهُ مَنْ أَنْتَ قَالَ عِرَاقِيٌّ فَاسْتَنْسَبَتْهُ فَذَكَرَ لَهَا أَنَّهُ مَوْلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) فَقَالَتْ أَنْتَ هَيْثَمٌ قَالَ بَلْ أَنَا مِيثَمٌ.
فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ اللَّهِ لَرُبَّمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (ص) يُوصِي بِكَ عَلِيّاً فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَسَأَلَهَا عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) فَقَالَتْ هُوَ فِي حَائِطٍ لَهُ قَالَ أَخْبِرِيهِ أَنِّي أَحْبَبْتُ السَّلَامَ عَلَيْهِ وَ نَحْنُ مُلْتَقُونَ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ لَا أَقْدِرُ الْيَوْمَ عَلَى لِقَائِهِ وَ أُرِيدُ الرُّجُوعَ، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَطَيَّبَتْ لِحْيَتَهُ فَقَالَ لَهَا أَمَا إِنَّهَا سَتُخْضَبُ بِدَمٍ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ أَنْبَأَنِي سَيِّدِي فَبَكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَ قَالَتْ:
إِنَّهُ لَيْسَ بِسَيِّدِكَ وَحْدَكَ هُوَ سَيِّدِي وَ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.
ثُمَّ وَدَّعَتْهُ فَقَدِمَ الْكُوفَةَ فَأُخِذَ وَ أُدْخِلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَ قِيلَ لَهُ هَذَا كَانَ مِنْ آثَرِ النَّاسِ عِنْدَ أَبِي تُرَابٍ قَالَ وَيْحَكُمْ هَذَا الْأَعْجَمِيُّ قَالُوا نَعَمْ فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ:
أَيْنَ رَبُّكَ؟
قَالَ بِالْمِرْصَادِ.
قَالَ قَدْ بَلَغَنِي اخْتِصَاصُ أَبِي تُرَابٍ لَكَ؟
قَالَ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ فَمَا تُرِيدُ؟
قَالَ وَ إِنَّهُ لَيُقَالُ إِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَكَ بِمَا سَيَلْقَاكَ؟
قَالَ نَعَمْ إِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّكَ تُصَلِّبُنِي عَاشِرَ عَشَرَةٍ وَ أَنَا أَقْصَرُهُمْ خَشَبَةً وَ أَقْرَبُهُمْ مِنَ الْمُطَهِّرَةِ.
قَالَ لَأُخَالِفَنَّهُ.
قَالَ وَيْحَكَ كَيْفَ تُخَالِفُهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) عَنْ جَبْرَئِيلَ وَ أَخْبَرَ جَبْرَئِيلُ عَنِ اللَّهِ فَكَيْفَ تُخَالِفُ هَؤُلَاءِ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ الْمَوْضِعَ الَّذِي أُصَلَّبُ فِيهِ أَيْنَ هُوَ مِنَ الْكُوفَةِ وَ إِنِّي لَأَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ أُلْجَمُ فِي الْإِسْلَامِ بِلِجَامٍ كَمَا يُلْجَمُ الْخَيْلُ.
فَحَبَسَهُ وَ حَبَسَ مَعَهُ الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ الثَّقَفِيَّ.
فَقَالَ مِيثَمٌ لِلْمُخْتَارِ وَ هُمَا فِي حَبْسِ ابْنِ زِيَادٍ إِنَّكَ تُفْلِتُ وَ تَخْرُجُ ثَائِراً بِدَمِ الْحُسَيْنِ (ع) فَتَقْتُلُ هَذَا الْجَبَّارَ الَّذِي نَحْنُ فِي سِجْنِهِ وَ تَطَأُ بِقَدَمِكَ هَذَا عَلَى جَبْهَتِهِ وَ خَدَّيْهِ.
فَلَمَّا دَعَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِالْمُخْتَارِ لِيَقْتُلَهُ طَلَعَ الْبَرِيدُ بِكِتَابِ يَزِيدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ يَأْمُرُهُ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِ وَ ذَلِكَ أَنَّ أُخْتَهُ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلَتْ بَعْلَهَا أَنْ يَشْفَعَ فِيهِ إِلَى يَزِيدَ فَشَفِعَ فَأَمْضَى شَفَاعَتَهُ فَكَتَبَ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِ الْمُخْتَارِ عَلَى الْبَرِيدِ فَوَافَى الْبَرِيدُ وَ قَدْ أُخْرِجَ لِيُضْرَبَ عُنُقُهُ فَأُطْلِقَ.
وَ أَمَّا مِيثَمٌ فَأُخْرِجَ بَعْدَهُ لِيُصْلَبَ وَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ لَأَمْضِيَنَّ حُكْمَ أَبِي تُرَابٍ فِيهِ،فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ مَا كَانَ أَغْنَاكَ عَنْ هَذَا يَا مِيثَمُ فَتَبَسَّمَ وَ قَالَ:
لَهَا خُلِقْتُ وَ لِي غُذِّيَتْ، فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى الْخَشَبَةِ اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَهُ عَلَى بَابِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، فَقَالَ عَمْرٌو لَقَدْ كَانَ يَقُولُ إِنِّي مُجَاوِرُكَ وَ كَانَ يَأْمُرُ جَارِيَتَهُ كُلَّ عَشِيَّةٍ أَنْ تَكْنِسَ تَحْتَ خَشَبَتِهِ وَ تَرُشَّهُ وَ تُجَمِّرَ بِمِجْمَرَةٍ تَحْتَهُ.
فَجَعَلَ مِيثَمٌ يُحَدِّثُ بِفَضَائِلِ بَنِي هَاشِمٍ وَ مَخَازِي بَنِي أُمَيَّةَ وَ هُوَ مَصْلُوبٌ عَلَى الْخَشَبَةِ.
فَقِيلَ لِابْنِ زِيَادٍ قَدْ فَضَحَكُمْ هَذَا الْعَبْدُ.
فَقَالَ أَلْجِمُوهُ فَأُلْجِمَ فَكَانَ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ أُلْجِمَ فِي الْإِسْلَامِ.
فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَاضَتْ مَنْخِرَاهُ وَ فَمُهُ دَماً فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ طُعِنَ بِحَرْبَةٍ فَمَاتَ.
وَ كَانَ قَتْلُ مِيثَمٍ قَبْلَ قُدُومِ الْحُسَيْنِ ع الْعِرَاقَ بِعَشَرَةِ أَيَّامِ..
هذه هي سيرة ميثم التمار.. وقد أعزه الله تعالى .. فغدا ذكره واسمه رمزاً للموالين..
هذا المكان الذي صلب فيه ميثم، ثم دفن غدا معلما يصله الوافد قبل أن يصل الى مسجد الكوفة.. وغدا ما بينه وبين مسجد الكوفة ساحة وسيعة خضراء يتجول بين ارجاءها القاصدون ولا يفصل بينها وبين المسجد سوى منزل أمير المؤمنين عليه السلام..
مقام لميثم، وبيت لامير المؤمنين، ومسجد الكوفة والى جانبه قبة ذهبية فوق قبر مسلم بن عقيل ، تقابله قبة فوق قبر هاني بن عروة.
سبحانك يا الهي .. تعز من تشاء.. وتذل من تشاء..
وللحديث تتمة