الحلقة السابعة: الى النجف الاشرف
سيدي يا أمير المؤمنين..
يا قالع الباب الذي عن هزه *** عجزت أكف أربعون وأربع
حان موعد القدوم اليك..
عندما وطأت قدماي أرض مطار النجف الاشرف قبل ستة ايام ..اتصل بي أخي ليقول لي .. إن سيارة بانتظارك خارج المطار كي تصطحبك الى مقام أمير المؤمنين..
لا يا أخي أجبته.. سأنتظر الاهل في المطار.. ووجهتنا الاولى هي كربلاء..
زيارتنا الاولى هي للحسين..
عذرا أمير المؤمنين.. لقد زرت الحسين .. وأعرف أنك مع زوار الحسين..
وأعرف أن فاطمة الزهراء كانت تنتظرنا عند الحسين..
ألسنا نروي أنه:
لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ (ص) ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ بِقَتْلِ وَلَدِهَا الْحُسَيْنِ وَ مَا يَجْرِي عَلَيْهِ مِنَ الْمِحَنِ بَكَتْ فَاطِمَةُ بُكَاءً شَدِيداً وَ قَالَتْ:
يَا أَبَهْ مَتَى يَكُونُ ذَلِكَ؟
قَالَ فِي زَمَانٍ خَالٍ مِنِّي وَ مِنْكِ وَ مِنْ عَلِيٍّ فَاشْتَدَّ بُكَاؤُهَا وَ قَالَتْ:
يَا أَبَهْ فَمَنْ يَبْكِي عَلَيْهِ وَ مَنْ يَلْتَزِمُ بِإِقَامَةِ الْعَزَاءِ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ:
يَا فَاطِمَةُ إِنَّ نِسَاءَ أُمَّتِي يَبْكُونَ عَلَى نِسَاءِ أَهْلِ بَيْتِي وَ رِجَالَهُمْ يَبْكُونَ عَلَى رِجَالِ أَهْلِ بَيْتِي وَ يُجَدِّدُونَ الْعَزَاءَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَإِذَا كَانَ الْقِيَامَةُ تَشْفَعِينَ أَنْتِ لِلنِّسَاءِ وَ أَنَا أَشْفَعُ لِلرِّجَالِ وَ كُلُّ مَنْ بَكَى مِنْهُمْ عَلَى مُصَابِ الْحُسَيْنِ أَخَذْنَا بِيَدِهِ وَ أَدْخَلْنَاهُ الْجَنَّةَ.
يَا فَاطِمَةُ كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا عَيْنٌ بَكَتْ عَلَى مُصَابِ الْحُسَيْنِ فَإِنَّهَا ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ بِنَعِيمِ الْجَنَّةِ ؟
ألم يخبر النبيُّ علياً قائلا:
أَمَّا الْحُسَيْنُ فَإِنَّهُ يُظْلَمُ وَ يُمْنَعُ حَقَّهُ وَ تُقْتَلُ عِتْرَتُهُ وَ تَطَؤُهُ الْخُيُولُ وَ يُنْهَبُ رَحْلُهُ وَ تُسْبَى نِسَاؤُهُ وَ ذَرَارِيُّهُ وَ يُدْفَنُ مُرَمَّلًا بِدَمِهِ وَ يَدْفِنُهُ الْغُرَبَاءُ فَبَكَيْتُ وَ قُلْتُ هَلْ يَزُورُهُ أَحَدٌ قَالَ يَزُورُهُ الْغُرَبَاءُ قُلْتُ فَمَا لِمَنْ زَارَهُ مِنَ الثَّوَابِ قَالَ يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ أَلْفِ حَجَّةٍ وَ أَلْفِ عُمْرَةٍ كُلُّهَا مَعَكَ فَضَحِكْتُ.
وها أنذا سيدي يا أمير المؤمنين آت لزيارتك بعد أن زرت أولادك..
أليسوا هم الباب اليك؟
ألم يأمرنا الله تعالى بقوله: { وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } (189) سورة البقرة
عصر يوم الاثنين غادرنا كربلاء..وقلوبنا يعتصرها الالم.. وهل يمكن لإنسان أن يعيش أياما في كربلاء دون أن يعيش بعقله وفكره وعواطفه ومشاعره مع المأساة التي أبكت رسول الله قبل وقوعها؟ أبكت فاطمة الزهراء قبل حصولها؟
نستقل السيارات.. ونسير بين تلك الجموع التي لم تهدأ ولم تتوقف.. لقد تبدلت جهة المسير.. كانت منذ أيام وحتى صبيحة اليوم تزحف جميعا من كل الاتجهات ناحية وسط كربلاء.. أما الان فها هي تغادر الى اماكن قدومها..
أية وسائط نقل تكفي لهذه الجموع؟
لن تنتظر في مكانها إذ يستحيل أن تجد من هناك من ينقلها.. كلها تغادر مشياً الى أن تجد من ينقلها..
منظر غريب أشاهده .. أقرب الى الخيال منه الى الواقع..
سيارات الشرطة والجيش والتي كانت حتى زمن قريب تطارد الزائرين فتعتقلهم وتطلق النار عليهم، وتنقلهم الى السجون في عهد النظام البائد.. هي الان قد تحولت الى سيارات لنقل الزوار من وسط المدينة الى حيث يجدون من ينقلهم الى قراهم ومدنهم..
من يملك سيارة خاصة، او باصاً، أو حتى شاحنة ، وحتى دراجة نارية تراه يساهم في نقل الزوار..
لا تشاهد أي تدافع او تسابق على ركوب وسيلة النقل.. هل هي القناعة ؟ ام التسليم؟ أم الاطمئنان؟ لا أدر ..
أي هدوء يتحكم بهذه المشاعر؟ أي طباع قد تبدلت في علاقات هؤلاء البشر؟
ما الذي حصل ؟ ما الذي تغير؟
نعرف أن طباع العراقيين " حارة" وأن أحدهم يغضب بسرعة ويثور وينفعل عند أدنى اساءة.. وبشكل أدق ، ليست طباع العراقيين باردة كبعض الشعوب الاخرى.. ومع ذلك فإنه ورغم هذا الازدحام الكبيرفإنك لا ترى سوى طمأنينة تحكم سلوك الجميع..
سائق سيارتنا الذي ينزعج أثناء القيادة فيما لو سمع بوق سيارة اخرى تريد تجاوزه، ويتأذى فيما لو تأخر حاجز أمني في التدقيق بسيارة أمامه.. أراه هادئا رصينا عندما يحتك به سائق دراجة حولها الى ما يشبه العربة و ينقل بها من الزائرين..
تصاب سيارته بخدش كان يمكن أن يؤدي الى مشكلة مع السائق الاخر في وقت آخر.. أما الان.. فينتهي كل شيء بينهما بمودة بعد انفعال سرعان ما يتبدد..
نتجاوز حدود كربلاء.. فيتجه بنا السائق الماهر الخبير نحو طريق لا نعرفها..
الى أين يا حيدر تذهب بنا؟
يبتسم ويقول.. لو أردنا الذهاب الى النجف الاشرف عبر الاتوستراد الرئيسي فإننا لن نصل الى هناك قبل منتصف الليل.. ثمانون كيلو مترا تحتاج الى ساعات كي نقطعها بسبب الازدحام الشديد على الطريق..
سآخذكم من طريق لا يعرفها الا القلة..
سار بنا في طريق خالية.. ليس عليها سوى مفارز أمنية بين الحينة والاخرى..
يرحبون بالزائرين ويودعوننا بأجمل عبارات المودة..
طريق ضيقة لا تسمح بمرور سيارتين بوقت واحد.. أعادتنا الى زمن غابر..
بعض الشاحنات التي كنا نصادفها تلزمنا ان نخرج بالسيارة عن الاسفلت، او على العكس ، يخرجون كي يسمحون لنا بالمرور..
نلتقي ببعض الباصات الفارغة العائدة نحو كربلاء..
يقول لنا حيدر انها باصات خاصة تابعة للروضة الحسينية تنقل الزائرين من كربلاء وتعود فارغة لتنقل مجموعات أخرى على هذه الطريق المجهولة..
نتجاوز ثلاثة ارباع الطريق، وهناك عند نقطة أمنية يشيرون علينا بالتوجه نحو الشارع الرئيسي.. إذ لا بد لنا من ان نمر عبر نقطة التفتيش الرئيسية الى النجف..
ما أن نصل الى الشارع الرئيسي حتى نصير بين تلك الزحمة من السيارات والشاحنات المتجهة نحو النجف..
لم يعد بإمكان سياراتنا الثلاث ان تسير معا، إذ صار على كل سائق ان يتدبر أمره كي نصل الى النجف الاشرف.
وتلوح لنا القبة الصفراء من بعيد.. فنشعر بالعنفوان والكبرياء..
السلام عليك يا أمير المؤمنين..
السلام عليك يا سيد الوصيين..
السلام عليك يا خليفة رسول رب العالمين..
السلام عليك يا أبا الائمة الهداة الميامين..
السلام عليك يا ابا الائمة الراشدين..
السلام عليك يا والد الائمة المرضيين..
السلام عليك يا وارث النبيين..
السلام عليك يا وارث علم الاولين والاخرين..
السلام عليكم يا حبل الله المتين..
السلام عليك يا قائد الغر المحجلين..
السلام عليك يا يعسوب الدين..
السلام عليكم يا امام المتقين..
السلام عليك يا امام المخلصين..
السلام عليك يا عصمة المؤمنين..
السلام عليك يا نور المؤمنين..
السلام عليك يا قدوة الصادقين..
السلام عليك يا قدوة الصالحين..
السلام عليك يا قاتل المشركين والقاسطين والمارقين..
وهل بعد هذا العز من عز؟
وهل بعد هذا الفخر من فخر؟
وأنا أتأمل في تلك الحشود المتجهة نحو أمير المؤمنين.. تستحضرني القصيدة الخالدة للشاعر السوري الشيخ الدكتور محمد مصطفى المجذوب.
تلك القصيدة التي نشرت في ديوانه الاول، وعملت الايدي المغتاظة على حذفها من الطبعات اللاحقة..
ذاك الشاعر الذي وردت له ترجمة خاصة عن حياته في كتاب :أعلام الصحوة الإسلاميّة: الشخصيّة رقم 441 ص 932 تأليف محمد علي شاهين.
والذي قيل عنه أنه أحد روّاد الأدب الإسلامي، مفكّر إسلامي، أديب موهوب، صاحب أسلوب دقيق ورشيق، شاعر مبدع من أصحاب الدواوين الشعريّة الراقية.
هذا الشاعر الذي كان قد زار العراق في أيام شبابه مع وفد من الفقهاء والادباء.. هاله ما شاهده في النجف الاشرف..
فعندما لاحت له هذه القبة المشعة راح يقارن بينها وبين قبة معاوية في دمشق فقال بعد عودته مخاطبا معاوية بن ابي سفيان:
[size=21][color=blue]سيدي يا أمير المؤمنين..
يا قالع الباب الذي عن هزه *** عجزت أكف أربعون وأربع
حان موعد القدوم اليك..
عندما وطأت قدماي أرض مطار النجف الاشرف قبل ستة ايام ..اتصل بي أخي ليقول لي .. إن سيارة بانتظارك خارج المطار كي تصطحبك الى مقام أمير المؤمنين..
لا يا أخي أجبته.. سأنتظر الاهل في المطار.. ووجهتنا الاولى هي كربلاء..
زيارتنا الاولى هي للحسين..
عذرا أمير المؤمنين.. لقد زرت الحسين .. وأعرف أنك مع زوار الحسين..
وأعرف أن فاطمة الزهراء كانت تنتظرنا عند الحسين..
ألسنا نروي أنه:
لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ (ص) ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ بِقَتْلِ وَلَدِهَا الْحُسَيْنِ وَ مَا يَجْرِي عَلَيْهِ مِنَ الْمِحَنِ بَكَتْ فَاطِمَةُ بُكَاءً شَدِيداً وَ قَالَتْ:
يَا أَبَهْ مَتَى يَكُونُ ذَلِكَ؟
قَالَ فِي زَمَانٍ خَالٍ مِنِّي وَ مِنْكِ وَ مِنْ عَلِيٍّ فَاشْتَدَّ بُكَاؤُهَا وَ قَالَتْ:
يَا أَبَهْ فَمَنْ يَبْكِي عَلَيْهِ وَ مَنْ يَلْتَزِمُ بِإِقَامَةِ الْعَزَاءِ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ:
يَا فَاطِمَةُ إِنَّ نِسَاءَ أُمَّتِي يَبْكُونَ عَلَى نِسَاءِ أَهْلِ بَيْتِي وَ رِجَالَهُمْ يَبْكُونَ عَلَى رِجَالِ أَهْلِ بَيْتِي وَ يُجَدِّدُونَ الْعَزَاءَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَإِذَا كَانَ الْقِيَامَةُ تَشْفَعِينَ أَنْتِ لِلنِّسَاءِ وَ أَنَا أَشْفَعُ لِلرِّجَالِ وَ كُلُّ مَنْ بَكَى مِنْهُمْ عَلَى مُصَابِ الْحُسَيْنِ أَخَذْنَا بِيَدِهِ وَ أَدْخَلْنَاهُ الْجَنَّةَ.
يَا فَاطِمَةُ كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا عَيْنٌ بَكَتْ عَلَى مُصَابِ الْحُسَيْنِ فَإِنَّهَا ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ بِنَعِيمِ الْجَنَّةِ ؟
ألم يخبر النبيُّ علياً قائلا:
أَمَّا الْحُسَيْنُ فَإِنَّهُ يُظْلَمُ وَ يُمْنَعُ حَقَّهُ وَ تُقْتَلُ عِتْرَتُهُ وَ تَطَؤُهُ الْخُيُولُ وَ يُنْهَبُ رَحْلُهُ وَ تُسْبَى نِسَاؤُهُ وَ ذَرَارِيُّهُ وَ يُدْفَنُ مُرَمَّلًا بِدَمِهِ وَ يَدْفِنُهُ الْغُرَبَاءُ فَبَكَيْتُ وَ قُلْتُ هَلْ يَزُورُهُ أَحَدٌ قَالَ يَزُورُهُ الْغُرَبَاءُ قُلْتُ فَمَا لِمَنْ زَارَهُ مِنَ الثَّوَابِ قَالَ يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ أَلْفِ حَجَّةٍ وَ أَلْفِ عُمْرَةٍ كُلُّهَا مَعَكَ فَضَحِكْتُ.
وها أنذا سيدي يا أمير المؤمنين آت لزيارتك بعد أن زرت أولادك..
أليسوا هم الباب اليك؟
ألم يأمرنا الله تعالى بقوله: { وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } (189) سورة البقرة
عصر يوم الاثنين غادرنا كربلاء..وقلوبنا يعتصرها الالم.. وهل يمكن لإنسان أن يعيش أياما في كربلاء دون أن يعيش بعقله وفكره وعواطفه ومشاعره مع المأساة التي أبكت رسول الله قبل وقوعها؟ أبكت فاطمة الزهراء قبل حصولها؟
نستقل السيارات.. ونسير بين تلك الجموع التي لم تهدأ ولم تتوقف.. لقد تبدلت جهة المسير.. كانت منذ أيام وحتى صبيحة اليوم تزحف جميعا من كل الاتجهات ناحية وسط كربلاء.. أما الان فها هي تغادر الى اماكن قدومها..
أية وسائط نقل تكفي لهذه الجموع؟
لن تنتظر في مكانها إذ يستحيل أن تجد من هناك من ينقلها.. كلها تغادر مشياً الى أن تجد من ينقلها..
منظر غريب أشاهده .. أقرب الى الخيال منه الى الواقع..
سيارات الشرطة والجيش والتي كانت حتى زمن قريب تطارد الزائرين فتعتقلهم وتطلق النار عليهم، وتنقلهم الى السجون في عهد النظام البائد.. هي الان قد تحولت الى سيارات لنقل الزوار من وسط المدينة الى حيث يجدون من ينقلهم الى قراهم ومدنهم..
من يملك سيارة خاصة، او باصاً، أو حتى شاحنة ، وحتى دراجة نارية تراه يساهم في نقل الزوار..
لا تشاهد أي تدافع او تسابق على ركوب وسيلة النقل.. هل هي القناعة ؟ ام التسليم؟ أم الاطمئنان؟ لا أدر ..
أي هدوء يتحكم بهذه المشاعر؟ أي طباع قد تبدلت في علاقات هؤلاء البشر؟
ما الذي حصل ؟ ما الذي تغير؟
نعرف أن طباع العراقيين " حارة" وأن أحدهم يغضب بسرعة ويثور وينفعل عند أدنى اساءة.. وبشكل أدق ، ليست طباع العراقيين باردة كبعض الشعوب الاخرى.. ومع ذلك فإنه ورغم هذا الازدحام الكبيرفإنك لا ترى سوى طمأنينة تحكم سلوك الجميع..
سائق سيارتنا الذي ينزعج أثناء القيادة فيما لو سمع بوق سيارة اخرى تريد تجاوزه، ويتأذى فيما لو تأخر حاجز أمني في التدقيق بسيارة أمامه.. أراه هادئا رصينا عندما يحتك به سائق دراجة حولها الى ما يشبه العربة و ينقل بها من الزائرين..
تصاب سيارته بخدش كان يمكن أن يؤدي الى مشكلة مع السائق الاخر في وقت آخر.. أما الان.. فينتهي كل شيء بينهما بمودة بعد انفعال سرعان ما يتبدد..
نتجاوز حدود كربلاء.. فيتجه بنا السائق الماهر الخبير نحو طريق لا نعرفها..
الى أين يا حيدر تذهب بنا؟
يبتسم ويقول.. لو أردنا الذهاب الى النجف الاشرف عبر الاتوستراد الرئيسي فإننا لن نصل الى هناك قبل منتصف الليل.. ثمانون كيلو مترا تحتاج الى ساعات كي نقطعها بسبب الازدحام الشديد على الطريق..
سآخذكم من طريق لا يعرفها الا القلة..
سار بنا في طريق خالية.. ليس عليها سوى مفارز أمنية بين الحينة والاخرى..
يرحبون بالزائرين ويودعوننا بأجمل عبارات المودة..
طريق ضيقة لا تسمح بمرور سيارتين بوقت واحد.. أعادتنا الى زمن غابر..
بعض الشاحنات التي كنا نصادفها تلزمنا ان نخرج بالسيارة عن الاسفلت، او على العكس ، يخرجون كي يسمحون لنا بالمرور..
نلتقي ببعض الباصات الفارغة العائدة نحو كربلاء..
يقول لنا حيدر انها باصات خاصة تابعة للروضة الحسينية تنقل الزائرين من كربلاء وتعود فارغة لتنقل مجموعات أخرى على هذه الطريق المجهولة..
نتجاوز ثلاثة ارباع الطريق، وهناك عند نقطة أمنية يشيرون علينا بالتوجه نحو الشارع الرئيسي.. إذ لا بد لنا من ان نمر عبر نقطة التفتيش الرئيسية الى النجف..
ما أن نصل الى الشارع الرئيسي حتى نصير بين تلك الزحمة من السيارات والشاحنات المتجهة نحو النجف..
لم يعد بإمكان سياراتنا الثلاث ان تسير معا، إذ صار على كل سائق ان يتدبر أمره كي نصل الى النجف الاشرف.
وتلوح لنا القبة الصفراء من بعيد.. فنشعر بالعنفوان والكبرياء..
السلام عليك يا أمير المؤمنين..
السلام عليك يا سيد الوصيين..
السلام عليك يا خليفة رسول رب العالمين..
السلام عليك يا أبا الائمة الهداة الميامين..
السلام عليك يا ابا الائمة الراشدين..
السلام عليك يا والد الائمة المرضيين..
السلام عليك يا وارث النبيين..
السلام عليك يا وارث علم الاولين والاخرين..
السلام عليكم يا حبل الله المتين..
السلام عليك يا قائد الغر المحجلين..
السلام عليك يا يعسوب الدين..
السلام عليكم يا امام المتقين..
السلام عليك يا امام المخلصين..
السلام عليك يا عصمة المؤمنين..
السلام عليك يا نور المؤمنين..
السلام عليك يا قدوة الصادقين..
السلام عليك يا قدوة الصالحين..
السلام عليك يا قاتل المشركين والقاسطين والمارقين..
وهل بعد هذا العز من عز؟
وهل بعد هذا الفخر من فخر؟
وأنا أتأمل في تلك الحشود المتجهة نحو أمير المؤمنين.. تستحضرني القصيدة الخالدة للشاعر السوري الشيخ الدكتور محمد مصطفى المجذوب.
تلك القصيدة التي نشرت في ديوانه الاول، وعملت الايدي المغتاظة على حذفها من الطبعات اللاحقة..
ذاك الشاعر الذي وردت له ترجمة خاصة عن حياته في كتاب :أعلام الصحوة الإسلاميّة: الشخصيّة رقم 441 ص 932 تأليف محمد علي شاهين.
والذي قيل عنه أنه أحد روّاد الأدب الإسلامي، مفكّر إسلامي، أديب موهوب، صاحب أسلوب دقيق ورشيق، شاعر مبدع من أصحاب الدواوين الشعريّة الراقية.
هذا الشاعر الذي كان قد زار العراق في أيام شبابه مع وفد من الفقهاء والادباء.. هاله ما شاهده في النجف الاشرف..
فعندما لاحت له هذه القبة المشعة راح يقارن بينها وبين قبة معاوية في دمشق فقال بعد عودته مخاطبا معاوية بن ابي سفيان:
أين القصور أبا يزيد ولهوها *** والصافنات وزهوها والسؤددُ
اين الدهاء نحرت عزته على *** أعتاب دنـــيا زهوهــــا لا ينفدُ
آثرت فانيها على الــحق الذي *** هو لو علمت على الزمان مخلدُ
تلك البهارج قد مضت لسبيلها *** وبقيت وحــــدك عبرة تتجــــددُ
هذا ضريحك لو بصرت ببؤسه *** لأسال مدمعك المصير الأسودُ
كتل من الترب المهين بخربــــةٍ *** سكـــر الذباب بها فراح يعربدُ
خفيت معالمـــــها على زوارهــا *** فكـــأنها في مجهــل لا يقصــدُ
والقبة الشمــــاء نكـــس طرفهــا *** فبكــــل جزء للــــفناء بهـــا يدُ
تهمي السحائب من خلال شقوقها *** والريح فـــي جنـــباتها تــترددُ
وكذا المصلى مظـــــلم فكــــــأنه *** مــــذ كان لم يجـــتز به متعـــبدُ
أأبا يزيد وتلك حكـــــمة خاــــلق *** تــــجلى على قلب الحكيم فيرشدُ
أرأيت عاقبة الجــــــموح ونزوة *** أودى بـــلبك غّــــيها الترصــــدُ
تعدوا بها ظلما على من حــــــبه *** ديــــن وبغضتــه الشقاء السرمدُ
ورثت شمائـــــله بـــــراءة أحمد *** فـــيكاد من بريــــده يشرق احمدُ
وغلــــوت حتى قد جعلت زمامها *** ارثــــا لكــــــل مـــدمم لا يحمدُ
هتك المحــــارم واستباح خدورها *** ومضى بـــغير هــــواه لا يتقيدُ
فأعادها بعد الــــهدى عصــــــبية *** جــــهلاء تـــلتهم النفوس وتفسدُ
فكأنـــما الأســـلام ســــلعة تــاجر *** وكــــــأن أمــــته لآلــــك أعـــبدُ
فاســــأل مرابض كربلاء ويثرب *** عن تــــلكم الــــنار التي لا تخمدُ
أرسلت مارجـــــها فـــــماج بحره *** أمـــــس الجـــدود ولن يجّنبها غدُ
والزاكـــيات من الدمــــــاء يريقها *** بــــــاغ على حرم الــــنبوة مفسدُ
والطاهرات فديــــــتهن حواســـرا *** تـــنــثال من عـــبراتهن الأكـــبدُ
والطــــيـبـيـن من الصغار كـــأنهم *** بـــيض الزنابق ذيد عنها الموردُ
تشـــــكو الظــــــما والظــــــالمون *** أصمهم حقد أناخ على الجوانح موقدُ
والذائــــــدين تبعـــثرت اشـــلاؤهم *** بــــــدوا فثمة معصــــــم وهنا يدُ
تطأ السنابـــــــك بالظــــــغاة أديمها *** مثــــل الكتاب مشى عليه الملحدُ
فعلــــــى الرمــال من الأباة مضرج *** وعلى النــــياق من الهداة مصفدُ
وعلى الرماح بقّـــــية من عابـــــــد *** كالشمس ضاء به الصفا والمسجدُ
ان يجهــــــش الأثــماء موضع قدره *** فـــلقــد دراه الراكـــــعون السّجدُ
أأبا يزيد وســـــــــاء ذلك عـــــــثرة *** ماذا أقول وباب سمعــــك موصدُ
***
قم وارمق النجف الشريــــف بنظرة *** يرتد طرفك وهو بـــــــــاك أرمدُ
تلك العظــــــــام أعز ربك قــــدرها *** فتـــــكاد لولا خــــــوف ربك تعبدُ
ابدا تباركــــــــها الوفــــــود يحثــها *** من كــــــــل حدب شوقها المتوقدُ
نازعـــــتها الدنـــيا فـــفزت بوردها *** ثم انقــــضى كالحــــلم ذاك الموردُ
وسعت الى الأخــــــرى فخلد ذكرها *** في الخالديــــن وعطف ربك أخلدُ
***
أأبا يزيد لتـــــلك آهــــــــــــة موجع *** أفــــــــــضى اليك بها فؤاد مُقصدُ
أنا لســـــــــت بالقالي ولا أنا شـامت *** قـــــــلب الكريم عن الشتامة أبعدُ
هي مـــــــــــهجة حرى اذاب شفافها *** حــــــزن على الاسلام لم يك يهمدُ
ذكرتـــــــــــــها الماضي فهاج دفينها *** شمل لشعب المصــــــــطفى متبددُ
فبعـــثته عتـــــبا وان يـــــك قاســـيا *** هــــــــو في ضلــوعي زفرة يترددُ
لم اســـــتطع صـــــبرا على غلوائها *** أي الضلـــــوع على اللضى تتجلدُ
اين الدهاء نحرت عزته على *** أعتاب دنـــيا زهوهــــا لا ينفدُ
آثرت فانيها على الــحق الذي *** هو لو علمت على الزمان مخلدُ
تلك البهارج قد مضت لسبيلها *** وبقيت وحــــدك عبرة تتجــــددُ
هذا ضريحك لو بصرت ببؤسه *** لأسال مدمعك المصير الأسودُ
كتل من الترب المهين بخربــــةٍ *** سكـــر الذباب بها فراح يعربدُ
خفيت معالمـــــها على زوارهــا *** فكـــأنها في مجهــل لا يقصــدُ
والقبة الشمــــاء نكـــس طرفهــا *** فبكــــل جزء للــــفناء بهـــا يدُ
تهمي السحائب من خلال شقوقها *** والريح فـــي جنـــباتها تــترددُ
وكذا المصلى مظـــــلم فكــــــأنه *** مــــذ كان لم يجـــتز به متعـــبدُ
أأبا يزيد وتلك حكـــــمة خاــــلق *** تــــجلى على قلب الحكيم فيرشدُ
أرأيت عاقبة الجــــــموح ونزوة *** أودى بـــلبك غّــــيها الترصــــدُ
تعدوا بها ظلما على من حــــــبه *** ديــــن وبغضتــه الشقاء السرمدُ
ورثت شمائـــــله بـــــراءة أحمد *** فـــيكاد من بريــــده يشرق احمدُ
وغلــــوت حتى قد جعلت زمامها *** ارثــــا لكــــــل مـــدمم لا يحمدُ
هتك المحــــارم واستباح خدورها *** ومضى بـــغير هــــواه لا يتقيدُ
فأعادها بعد الــــهدى عصــــــبية *** جــــهلاء تـــلتهم النفوس وتفسدُ
فكأنـــما الأســـلام ســــلعة تــاجر *** وكــــــأن أمــــته لآلــــك أعـــبدُ
فاســــأل مرابض كربلاء ويثرب *** عن تــــلكم الــــنار التي لا تخمدُ
أرسلت مارجـــــها فـــــماج بحره *** أمـــــس الجـــدود ولن يجّنبها غدُ
والزاكـــيات من الدمــــــاء يريقها *** بــــــاغ على حرم الــــنبوة مفسدُ
والطاهرات فديــــــتهن حواســـرا *** تـــنــثال من عـــبراتهن الأكـــبدُ
والطــــيـبـيـن من الصغار كـــأنهم *** بـــيض الزنابق ذيد عنها الموردُ
تشـــــكو الظــــــما والظــــــالمون *** أصمهم حقد أناخ على الجوانح موقدُ
والذائــــــدين تبعـــثرت اشـــلاؤهم *** بــــــدوا فثمة معصــــــم وهنا يدُ
تطأ السنابـــــــك بالظــــــغاة أديمها *** مثــــل الكتاب مشى عليه الملحدُ
فعلــــــى الرمــال من الأباة مضرج *** وعلى النــــياق من الهداة مصفدُ
وعلى الرماح بقّـــــية من عابـــــــد *** كالشمس ضاء به الصفا والمسجدُ
ان يجهــــــش الأثــماء موضع قدره *** فـــلقــد دراه الراكـــــعون السّجدُ
أأبا يزيد وســـــــــاء ذلك عـــــــثرة *** ماذا أقول وباب سمعــــك موصدُ
***
قم وارمق النجف الشريــــف بنظرة *** يرتد طرفك وهو بـــــــــاك أرمدُ
تلك العظــــــــام أعز ربك قــــدرها *** فتـــــكاد لولا خــــــوف ربك تعبدُ
ابدا تباركــــــــها الوفــــــود يحثــها *** من كــــــــل حدب شوقها المتوقدُ
نازعـــــتها الدنـــيا فـــفزت بوردها *** ثم انقــــضى كالحــــلم ذاك الموردُ
وسعت الى الأخــــــرى فخلد ذكرها *** في الخالديــــن وعطف ربك أخلدُ
***
أأبا يزيد لتـــــلك آهــــــــــــة موجع *** أفــــــــــضى اليك بها فؤاد مُقصدُ
أنا لســـــــــت بالقالي ولا أنا شـامت *** قـــــــلب الكريم عن الشتامة أبعدُ
هي مـــــــــــهجة حرى اذاب شفافها *** حــــــزن على الاسلام لم يك يهمدُ
ذكرتـــــــــــــها الماضي فهاج دفينها *** شمل لشعب المصــــــــطفى متبددُ
فبعـــثته عتـــــبا وان يـــــك قاســـيا *** هــــــــو في ضلــوعي زفرة يترددُ
لم اســـــتطع صـــــبرا على غلوائها *** أي الضلـــــوع على اللضى تتجلدُ
وللحديث تتمة